تسللت إلى أنفه رائحة الخبز الطازج وأقراص الطعمية المقلية في الزيت، فأصدرت معدته أنينا خافتا لتذكره أنه لم يلقمها شيئا منذ مساء أول أمس، أخرج من جيبه آخر قطعة نقود يمتلكها، كانت متبقية من ثمن بعض كتب باعها لبائع الروبابيكيا بالكيلو، فكر أن يقف أمام عربة الفول ويتناول طعامه كما يفعل غيره من العمال والموظفين، لكنه لم يعتد الأمر من قبل، فبقايا اعتزاز بالنفس، وأثر رغد ما زال باديا على ملابسه، ونضارة تخفت شيئا فشيئا كانت تزين وجهه يمنعونه من فعل ذلك، لكن معدته لا تكف عن الصراخ، اقترب من البائع يطلب رغيفا محشوا بالطعمية الساخنة، لف البائع الطلب في ورقة حاول أن يجعلها أنيقة لتليق بالطالب، سأل بتوجس:
_كم تريد؟
_ثلاث جنيهات.
تهلل وجهه بالرضا لأنه سيعود إلى بيته راكبا، جلس على مقعد حجري مواجها للنهر، قضم قضمة سمع بعدها صوتا طفوليا قادما من جهة اليمين يقول له:
_ أعطني لقمة لوجه الله يا أستاذ، فأنا لم آكل منذ يومين.
توقفت اللقمة في حلقه، نظر إلى الوجه الملطخ بكل ألوان الفقر، رقّ للصوت القادم من غياهب الجوع، صمت هنيهة يصبّر فيها معدته التي تطالب بالمزيد، فكر أن يقضم قضمة اخرى لكنه استحى، ناوله ما في يديه فتلقفه الولد بلهفة المنتصر و فر هاربا كفرار قط بغنيمته، تبعه ببصره وفي جوفه سؤال يستحي أن يسأله، تنقّل الولد بين السيارات الفارهة، وقف أمام إحداها ومد يده لمن فيها ثم أخرجها بلفافة أنيقة، نظر الولد للفافتين اللتين حصل عليهما، ألقى إحداهما في سلة القمامة.