لا أدري كيف انزلقت قدمي وسقطت في الماء، أجيد السباحة... لكنني اليوم لست مهيئا للعوم؛ فملابسي الصوفية سرعان ما أثقلها البلل وسحبتني للأسفل، جاهدت في المقاومة كي لا أغرق، أكمامي المنتفخة بالماء تثقلان ذراعاي، أشعر أنهما مغلولتان بالحديد ومشدودتان إلى القاع. ليست هذه المرة الأولى التي أسبح فيها في هذا النهر الصغير، لم يكن حينها بهذا الاتساع وهذا العمق، أبحث بقدمي عن قاعه الذي طالما وقفت عليه من قبل فلا أجده، الظلام من حولي يطبق مع الماء على صدري لكن ضوء القمر الباهت والمتسلل على استحياء من خلف غيمة كبيرة داكنة يجعلني أرى الحافة، أراها على مرمى بصرى قريبة تستطيع يدي الوصول إليها والتشبث بالحشائش النابتة فيها؛ مددت يدي نحوها فابتعدت عني كأنها تهرب مني أو أن أحدا يجذبني بعيدا عنها، حال بيننا موج لا أعلم من أين جاء، غمرتني الماء، جذبتني الأغلال إلى ألأسفل، بجنون تضربني الأمواج وأضربها، أستنشق ماء، ابتلعه من فمي وأنفي وأذني، يبتلعني النهر في أحشائه، أضرب بيدي وحشا لا أراه... يجثم على صدري... يكتم أنفاسي...أطرحه عني و أخرج رأسي، آخذ نفسا مبتلا، يجرح رئتي، تسحبني الأغلال من جديد... أصارع الموج... يدفعني للأعلى... ألتقط نفسا ممزوجة بشربة ماء عكره... يسحبني للأسفل... يغلبني اليأس لكنني ما زلت متشبثا بالحياة، جمعت بقايا قوتي و قفزت لأعلى، شهقت بقوة، فتحت عيناي، القمر ما زال مختبئا خلف الغيمة الكئيبة، وأنا أتمدد على أرض صلبة، ورأسي يتوسد شيئا لينا يشبه ذراع أمي، وذراعها الآخر قابعا فوق صدري... يخنقني، ضوء خافت قادم من مصباح عمود إنارة على الرصيف المقابل جعلني أرى وجه أمي النائم بجواري، أتنفس بصعوبة، أحرك شفتي بكلمات لا أسمعها، جحظت عيناي، يد تمتد إلي من بعيد... كف كبير يشبه كف أبي الذي قتلته قذيفة منذ عام، يحمل اختي الصغيرة فوق كتفه، رأسها كان يشخب دما لكنها تبتسم... قالت بصوتها الرقيق
_تعال معنا.
أنزع يدي من لج الليل الجاثم فوقي وأمدها مثقلة، تسقط... وأسقط معها في الأعماق، تسحب أمي يدها من فوق صدري، تنتظم أنفاسي... ينحسر الليل ويعود الضوء الخافت من عمود الإنارة ألمح أبي يذهب بعيدا وعلى كتفه أختي تودعني بابتسامة تخبرني أن يوما ما سيكون لنا لقاء.