يا ولدي، تذكّر دائمًا أننا في الدنيا ولسنا في الجنة، وهنا تكمن الحقيقة التي يغفل عنها كثيرون.
في الدنيا، ستتذوق الحلو والمر، وتعيش الفرح والحزن، وتعرف النور والظلام.
لا تنتظر أن تكون الحياة عادلة دائمًا، ولا أن يسير كل شيء كما تشتهي.
فالعدل المطلق والراحة الدائمة لا تكون إلا في دار الحق، أما هذه الدار فمزيج من الاختبارات والعبر.
يا ولدي، ستتعرض في حياتك لظلم كبير أو صغير، وقد يُنسى ظلمك بين الناس، لكن الله لا ينسى.
ربما تتساءل يومًا: لماذا يحدث هذا لي؟ لماذا أنا؟
ولكن اعلم أن كل ما يقدّره الله لك هو لحكمة، وكل ما يُأخذ منك سيعود إليك يومًا بطريقة أخرى، وربما أجمل مما فقدت.
ستعرف معنى الفقد، وستكتشف أنه ليس حدثًا واحدًا في الحياة، بل سلسلة من المحطات المؤلمة.
قد تفقد من تحب بالموت، فيغيب عن عينيك إلى باطن الأرض بعد أن كان ملء السمع والبصر،
وقد تفقده بالفراق، مهاجرًا أو مسافرًا أو مبتعدًا بلا عودة.
لكن هناك فقدٌ أشد مرارة، حين يموت أحدهم في قلبك وهو ما زال على قيد الحياة،
حين تتغير الملامح وتبرد الكلمات ويحل الصمت مكان الضحك،
حين تدرك أن القرب الجسدي لا يعني القرب الروحي، وأن العِشرة لا تمنح الدفء إذا ماتت المودة.
يا ولدي، ستتعلم أن تتمسك بالأشياء والناس بقدر، وأن تترك مسافة آمنة بينك وبين كل ما تحب،
ليس جفاءً، ولكن إدراكًا لطبيعة الدنيا التي لا تمنحنا شيئًا بلا انتهاء.
ستتعلم أن تحمد الله على ما بين يديك قبل أن يصبح ذكرى، وأن تعبّر عن حبك قبل أن يُصبح متأخرًا.
تذكّر، يا ولدي، أن الحياة ليست سباقًا نحو القمة، بل هي رحلة لا نعرف متى تنتهي.
احرص على أن تترك أثرًا طيبًا فيمن حولك، وابتعد عن ظلم الآخرين مهما كان بسيطًا.
فالقلوب التي تجرحها قد تحمل أثر جرحك إلى يوم تلقى فيه الله، ولا ينفعك حينها ندم ولا اعتذار.
يا ولدي، لا تجعل قلبك قاسيًا حتى لا تندم،
ولا تجعل الأيام تأخذ منك نقاءك لتصبح نسخة مشوهة مما كنت عليه.
وكلما شعرت بالخذلان أو الحزن، فاذكر أن الله يعلم ويرى ويسمع، وأنه يعد لك ما هو أجمل مما فقدت.
واعلم يا ولدي، أن اللقاء الحق هناك، حيث لا فراق ولا وجع، عند العزيز المقتدر.
حينها فقط ستعرف أن كل دمعة وكل صبر كان له معنى، وأن كل حرمان كان جسرًا يعبر بك إلى موطنك الأصلي "الجنة".