"كم سئمت تلك المهنة، والتي تضطرني للسهر حتى وقت متأخر من الليل"!
هكذا تحدثت سحر مع نفسها، ربما لتقطع الوقت أثناء مرورها بالمقابر بعد انتهاء ورديتها الليلية باعتبارها ممرضةً بإحدى المستشفيات.
كم تمنت أن يمر أي تاكسي لتستقله عائدة لمنزلها!
كان الصقيع يلف المكان بليلة شتوية ماطرة.. التحفت رداءها ورفعت ياقته لتغطي أذنيها، ربما يقيها لسعة البرد.
من بعيد لمحت فتاه ترتدي (جاكيت) أبيض يشبه رداء الممرضات، ومن فوقه رداء أسود ثقيل، وبإحدى يديها ترفع مظلتها لتقيها المطر، بينما بيدها الأخرى تحمل قلادة فضية مميزة على هيئة الرقم (13).
أسعدها ذلك جدًّا وبث الطمأنينة إلى قلبها.
اقتربت منها حتى لامست كتفها، قائلة: "ما أسوأ طقس اليوم"!
أفسحت لها الفتاة مساحة لتدخل تحت المظلة.. نظرت لوجهها، وهالها ذلك الشحوب البادي عليها.. توجهت لها سحر بالحديث قائلة: "هل تعملين معنا بأحد أقسام المستشفى"؟
الفتاة بنظرة باهتة أومأت برأسها علامة الإيجاب.
فردت سحر: "هذه أول مرة أراك بها، بأي الأقسام تعملين"؟
رفعت الفتاة يدها لتبرز عظام كفها.. فقالت سحر: "هل تقصدين قسم العظام"؟
لم تلتفت لها الفتاة وظلت تكمل مسيرها.
من بعيد لاح لهم تاكسي قادم نحوهم.. هنا تنهدت سحر تنهيدة عميقة قائلة بارتياح: "وأخيرًا"!
ما إن توقف التاكسي أمامها حتى فتحت الباب، وهي تدعو الفتاة للدخول.
نظر إليها السائق متعجبًا، وهو يقول بدهشة: "مع من تتحدثين سيدتي؟! فأنتِ وحدك..."!
تمت