"وقت الظهيرة" ظلَّ يمشي على غير هُدى يرافقه ظله، تأمَّل ظله أثناء مسيره ليجده يمشي معه، فلا هو يسبقه أو يتخلَّف عنه، كما أنه يماثل حجمه فلا هو يكبره أو يصغره، نظر للشمس كانت عموديةً تسقط أعلى صدره.
ظلَّ يمشي على غير هدى حتى إنه لم يشعر بالوقت الذي اقترب من الغروب، وهنا لاحظ شيئًا غريبًا لم يفهمه، كان ظله يفوقه حجمًا، بل -كما يبدو- وكأنه يحاول أن يسبقه! نظر نحو الشمس، فكانت تتجه نحو الغروب، ترسل أشِعَّتها الذهبية نحوه أسفل خاصرته، ما جعل ظله أكبر منه.
لم يكن هذا ما يشغله حقًّا، إنما ما علق بذهنه وعقله هو محاولة ظله أن يسبقه ليتقدَّم عليه، ما جعله يتوقف منتفضًا وهو يردِّد بصوتٍ خفيض:
- حتى أنت تود أن تسبقني لتصبح أولًا وأنا ثانيًا؟
في تؤدة مشى الهوينى مستعيدًا شريط حياته منذُ الولادة وحتى لحظته الراهنة.
تذكَّر أنه حَلَّ ثانيًا لأبويه بعد شقيقته الكبرى، فلم يحظَ بشغف واهتمام والديه بقدومه.
أثناء دراسته بجميع المراحل التعليمية لم يتذكَّر أنه حَلَّ أولًا ليُكرَّم، كان دومًا ترتيبه ثانيًا أو بمرتبة أقل.
حتى التنسيق الجامعي لم يمنحه رغبته الأولى، إنما حصل على رغبته الثانية.
نظر نحو ساعته ليرى كم مرَّ عليه من الوقت خوفًا من توبيخ زوجته له، بسبب تأخره في العودة إلى المنزل، سرعان ما نفض عنه هذا الخاطر عندما تذكَّر أنه حتى بالزواج لم يكُن الزوج الأول لزوجته، إنما حَلَّ ثانيًا بعد طلاقها من زوجها الأول.
تنهَّد تنهيدةً طويلةً وهو يحاول جاهدًا أن يتذكَّر ولو لمرة واحدة كان الأول في أي شيء، لكن -ولخيبته الشديدة- لم تسعفه الذاكرة بشيء، حتى الطوابير الطويلة لإنهاء بعض الأوراق أو استخراجها لم يتذكَّر أنه كان الأول، كذلك في طوابير الجمعيات، حتى الجمعيات المالية التي كان يدخلها لتوفير بعض المال لا يذكر أنه قبض الاسم الأول بأي مرة.
ابتسم بسخرية مريرة عندما تذكَّر أنه حتى الفريق الرياضي الذي يشجِّعه غالبًا ما يحلُّ ثانيًا.