المكان إحدى القاعات النسائية
المناسبة درس ديني خاص بالسيدات .
كان الدرس حول الرضى وكيف أن أعظم ما قد يهبه الله لعباده من رزق هو الرضى فالله سبحانه وتعالى عندما بشر حبيبه المصطفى بعطاياه قال له ( ولسوف يعطيك ربك فترضى )
الجميع ينصتن بإنتباه للدرس بينما هناك سيدة بنهاية عقدها الخامس تبدو عليها مظاهر الوقار والثراء تراقب بإهتمام فتاة يبدو من ملامحها وملابسها أنها تنتمي للطبقة المتوسطة أو ما دونها كانت ببداية عقدها الثالث من عمرها .
شئ ما جعلها تتعلق بهذه الفتاة فلا تستطيع أن تشيح عنها بعينيها ولو للحظة واحدة .
ربما إرتياح لا تدري مصدره أو ذلك الحزن العميق والذي عجزت الفتاة أن تخفيه فبدا واضحًا للعيان .
وما أن إنتهى الدرس حتى رأت الفتاة تجاهد لتمسح بعض الدموع من عينيها وهى تنهض لمغادرة قاعة الدرس هنا لم تشعر السيدة بنفسها إلا وهى تشير للفتاة بأن تساعدها بالنهوض ومرافقتها حتى مكان سيارتها حيث ينتظرها إبنها بالخارج .
بنظرة خجولة تقدمت الفتاة نحوها وأسندتها برفق وهى تحاول رسم إبتسامة باهتة على شفتيها .
وما أن غادرتا قاعة الدرس وسارتا أمتار قليلة حتى تحدثت السيدة بصوت ودود وهى تقول يبدو أن إبني غير متواجد ربما يكون قد ذهب لقضاء حاجة له وسيعود بعد قليل .
أردفت قائلة هل يمكنك يا بنيتي التواجد معي قليلًا حتى يأتي ويقلني وسأكون ممتنة لك .
الفتاة وهى تتمتم بصوت خفيض حسنًا لا بأس يمكنني ذلك .
توجهتا للحديقة المقابلة وعلى أحد المقاعد الخشبية جلستا بصمت لم تقطعه إلا السيدة الكبيرة وهى تقول بفضول كم عمرك ؟
الفتاة وقد فاجأها السؤال لتقول بصوت حزين أربع وعشرون عامًا إستطردت تقول بإندفاع أعلم أن ملامحي تقول أنني تجاوزت الأربعين من عمري ولكنه الزمن .
السيدة بصوت حنون نفس العمر تقريبًا .
الفتاة بدهشة أي عُمر تقصدين !؟
السيدة أنت مثل إبنتي هى بعمرك الأن ولكن ليس هذا سبب إرتياحي لك والجلوس معك هناك سبب أخر .
الفتاة وقد أثارت السيدة كل إنتباهها وآسرت حواسها وما هو ؟
السيدة قبل أن أخبرك هل تخبريني عن همك وسبب حزنك ؟
الفتاة وكأنها قد وجدت مبررًا لذرف الدموع فلم تتمالك نفسها إلا وهى تنتحب بصوت مبحوح وبلا توقف .
إقتربت منها السيدة لتضمها إليها لدقائق وهى تربت عليها حتى هدأت الفتاة قليلًا واستعادت بعض السكينة والهدوء وهى تقول بألم هذه أول مرة لي أحضر مثل هذه الدروس وسبب حضوري ليس متابعة الدرس إنما كنت أنتظر نهاية الدرس لأسأل هل الإنتحار لمثلي معصية يعاقبني عليها الله ؟
هل عندما أود لقاء الله وألوذ به وألجأ إليه بعد أن خذلني الجميع هل أكون قد عصيت ربي ؟
أربع وعشرون عامًا من المعاناة والألم ولا طاقة لي أو قدرة على الإحتمال أكثر من ذلك فهل يعاقبني ربي إن هربت من أوجاعي .
ذرفت بعض الدموع وهى تقول ربي أرحم بي من البشر .
هو يعلم عن حالي منذ فقدت أمي وأنا رضيعة والبؤس الذي عانيته من زوجة الأب وعملي بكل الأعمال حتى الخدمة بالبيوت لأكمل تعليمي ورغم حصولي على شهادة جامعية لم تتغير ظروفي فألقوا بي لأول طارق يطلبني للزواج دون حتى موافقتي .
حاولت إقناع أبي العاجز عن حماية نفسه من زوجته ببيته ليقوم بصب جام غضبه علي ربما ليثبت أنه رجل البيت .
لتكمل قولها وهى تحاول جاهدة مسح دموعها إنتقلت من جحيم زوجة الأب وقسوتها وضعف الأب وتسلطه لجحيم الزوج وأهله فبعد ان كنت أعاني من زوجة أبي وأبي أصبحت أعاني من زوجي وأمه وإخوته .
زوج لا يشبهني بشئ .
زوج أسير لإدمانه وشهواته
زوج طلقني بالأمس ليطردني من جنته المزعومة وهو يعلم أنني لن أجد حتى أربعة جدران أحتمي بهم من الذئاب المتربصين بي طلقني ليمارس رجولته المفقودة وذكوريته الشاذة على فتاة عاجزة وحيدة أدرك أنها لا تملك جدارًا تستند عليه وقت الحاجه .
ما أن أنهت كلامها حتى يممت وجهها نحو السماء وهى تتوسل قائلة لم أعد أحتمل أكثر من ذلك حقًا لم أعد أحتمل إستطردت تقول بصوت مبحوح إشتقت للراحة أبحث عن السلام أريد أن أنام فلا أستيقظ أبدًا .
هل سأكون مخطئة ؟
هل ستقولون عني كما ترددون عن كل من يبحث عن السلام انني كافرة وأنني ساذهب إلى الجحيم ؟
أردت أن أسأل هل من العدل أن أعيش الجحيم مرتين مرة بالدنيا ومرة بالآخرة ؟
المجرم بقانون الأرض ينال عقوبة واحدة على جرمه فلماذا أنال عقوبتين عن جريمة لم أرتكبها ؟؟ لماذا ؟ هل يمكنك أن تخبريني ؟
دنت منها السيدة بحنو لتحتضنها مرة أخرى وتضمها إليها وهى تقول كنت أعلم أن هناك سر وراء إنجذابي لك فأنت تذكرينني بقصة فتاة كانت بمثل عمرك تقريبًا وذلك منذ ثلاثة عقود تقريبًا .
عادت بظهرها للوراء وهى تقول بصوت خفيض مملوء بالألم وكأنها تستعيد ذكريات مؤلمة .
أنت تذكرينني بقصة فتاة إسمها رحمة والتي وربما لحكمة يعلمها الله لم يكن لها من إسمها نصيب إلا من جانبها فبرغم روحها النقية وقلبها الممتلى رحمة لم تجد بحياتها أي رحمة ممن حولها .
هى أيضًا تعرضت لظروف قاسية جعلتها تقف على أظافرها مغمضة العينين فوق حافة الإنتحار بإنتظار الصعود للهاوية السحيقة…
يتبع