{عندما تعود الأمانة يعود الأمان وحتى يحدث ذلك فإن الجميع سيدفعون الثمن} ردد الدرويش هذه العبارة أكثر من مرة وهو يغادر مبتعدًا في غضب.
أثار تصرفه دهشة أسامة والذى رجح بينه وبين نفسه أنه بلا شك أحد المجاذيب، وصل ( أسامة ) الى المكان المتفق عليه مع (سمير) الذي قابله بترحاب شديد وهو يقول مبتسمًا أعلم أنك أتيت مرغماً ولكني أعدك أننا لن نتأخر هناك.
وبالفعل بعد عدة دقائق وصل الإثنان الى بناية قديمة عتيقة الطراز أشار ( سمير ) إليها وهو يقول ها قد وصلنا، وأمام باب خشبي وقف الإثنان وقبل أن تمتد أيديهم للباب كان قد فتح وحده، دلفا الى ردهة خافتة الإضاءة حيث يقف رجل قصير دميم الوجة أشار لهم بإتجاه إحدى الغرف دون أي حديث، بالفعل توجها الى الغرفة والتي ما أن دلفا إليها حتى توجثا خيفة وقد سرت الرعشة بأوصالهم حيث كان الظلام يلف الغرفة، بينما الدخان المنبعث من أمام الرجل الجالس والذي يتمتم بعبارت غير مفهومة يبعث على الرجفة والقلق، أشار الرجل لهم بيده دون أن يرفع رأسه وهو يقول موجها كلامه بلهجة هادئة
لسمير، ستشرق الشمس وينبعث الضوء ويزداد النجم لمعانا ومع صرخة الولادة ستكون صرخة الرحيل وسيعم الظلام.
(سمير) ماذا تقصد؟ هل يعني ذلك أنني سأصبح مشهورًا؟ هل سيلمع نجمي؟ هل سيتهافت الناس لمشاهدة أفلامي؟
هل سيشار لي بالبنان وأصبح فناناً لامعاً ولي معجبين؟
الرجل بنبرة صارمة وحادة أخرج ولا تعود مرة اخرى، قام (سمير) وهو في حيرة من أمره يتبعه (أسامة) ليغادرا سويًا، لولا ذلك الصوت من ذلك الرجل موجهاً حديثه بغضب وحدة وهو يقول لأسامة (عندما تعود الأمانة يعود الأمان وإلا فإن الجميع سيدفع الثمن).
هنا تسمرت قدما (أسامة) بالأرض وهو يحدق بالرجل والذي لم يكن سوى ذلك الدرويش الذي
إلتقاه وهو في طريقه الى هنا.
تسمرت قدماه بالأرض وهو يشعر بالذهول من هول الصدمة والمفاجأة وكلمات الرجل التي كانت حادة ومباغتة لأسامة.
حاول أن يتسائل أو يستوضح لولا صرامة الرجل وهو يقول غادر وحذار أن تنسى أو تعود قبل أن تعيد الأمانة.
تململ أسامة وهو يجلس على مقعده بالقطار فقد أعادت له كلمات الدرويش عندما تذكرها خوفاً وقشعريرة سرت بروحه قبل أن تتملك من جسده، نفض ( أسامة ) ذلك الخاطر عن ذهنه فقد كان يشعر بالتعب والإرهاق الشديد.
عاد بظهره للوراء ووضع فوطة على وجهه واستسلم لنوم عميق،
ولكن مهلًا ما هذا الذي يراه ويشعر به؟
ظلام حالك ولهاث متقطع وزمجرة تشق سكون الليل كل هذا كان كفيل بأن يفتح( أسامة ) عينيه ببطء لينظر حوله بشك وريبة وهو يتوجس خيفة.
لكنه ولدهشته لم يرى أي شئ،
فقط السواد هو كل ما يحيط به. فجأة لمح أزواج كثيرة من العيون الحمراء تنتشر حوله بشكل عشوائي لم يحتاج للكثير من الوقت ليعرف أنها كلاب سوداء بغاية الضخامة لا يظهر منها سوى إحمرار عينيها وصوت لهاثها المتعاقب وألسنتها التي تتدلى منها وهى تحدق به بحدة وغضب، بينما تحيط به من كل جانب.
حاول أن يصرخ ويستغيث بلا جدوى.
حاول أن ينهض من مقعده أو يتحرك ولكن أيضًا بلا جدوى.
فقط يشعر بالخدر يسري بكامل جسدة فلا يستطيع الحركة، حاول أن يحرك يديه ولكنه لم يستطيع ذلك، كان وكأنه مكبل اليدين والقدمين، شئ ما يجثم على صدره ويعيق حركته ليشعر وكأنه قد أصابه الشلل بجميع أطرافه.
كانت الكلاب تحيط به من كل جانب على شكل دائرة واسعة وكلما مر الوقت كانت الدائرة تضيق أكثر فأكثر.
حاول أنن يحرك لسانه بقراءة بعض ما يحفظ من آيات القرآن الكريم ولكنه لا يقوى حتى على ذلك بسبب جفاف ريقه،
فجأة بدأت الدائرة تتسع من حوله مرة ثانية ليقترب منه ذلك الكلب أو الذئب الضخم، والذي كان وكما يبدو هو زعيم القطيع ومحركهم، لم تكن تظهر منه سوى عينيه واللاتي تحولتا إلى بقعتين من الدم الداكن شديد الإحمرار،
كان صوت لهاثه المتعاقب وأنفاسه المتقطعة كفيلان بتوقف عضلة قلبه من الخوف والهلع.
إقترب الكلب الضخم والذي كان يشبه الذئب من ( أسامة ) في هدوء حذر، أخرج لسانه الذي لامس رقبة ( أسامة ) والذي كان عاجزاً عن إبداء أى نوع من المقاومة، شعر بأسنانه تقترب من رقبته تكاد تنهشها وتمزقها وشعر بلعابه ذو الرائحة النتنه يملأ أنفه، أغمض عينيه مستسلمًا لمصيره منتظراً لحظة النهاية والتي بدت له أنها قد إقتربت كثيراً.
شعر بأظافره تقترب من رقبته لتمزقها من أسفل أذنيه وحتى بداية صدره، حرك رأسه يمنة ويسرى وهو يحاول جاهداً الصراخ ومقاومة مصيره المحتوم.
لم يدري إلا وذلك الرجل الجالس قبالته يحاول إيقاظه وتهدئته وهو يقول في نبرة ودوده، إهدأ يا بنى، يبدو انك كنت داخل كابوس مزعج، أردف قائلًا أنت لم تتوقف عن الحركة، فقد كنت تحرك رأسك بعنف دون أن يصدر عنك أي صوت، كما أن العرق يتصبب من جبينك وكأنك بسباق طويل لا ينتهي.
حتى هذه اللحظة كان ( أسامة ) فاقدًا للنطق غير مدرك ما حدث أو يحدث معه.
فقط تلك الرائحة النتنة ما زالت تزكم أنفه وقشعريرة شديدة ما زالت تسري بكامل جسده.
يتبع