أنت بخير، ما دمتَ تشعر بغيرك، ما دمتَ تبكي لألمٍ لا يعنيك مباشرة، وتفرح لنجاحٍ لا يعود عليك بنفع، وتغضب حين ترى الظلم يُمارَس على أحدهم ولو كنتَ في مأمنٍ منه.
أنت بخير، ما دمتَ تملك قلبًا ينبض بحبّ الخير، وضميرًا لم يمت تحت وطأة الزحام والركض وراء الماديات.
في زمنٍ صار فيه الكثيرون يتفننون في إخفاء مشاعرهم خلف الأقنعة، تذكّر أن الإحساس بالآخرين ليس ضعفًا ولا يعيب صاحبه، بل هو أعلى درجات القوة. أن تشعر بوجع إنسانٍ لا تعرفه، يعني أن روحك ما زالت طاهرة، وأنك ما زلت في خانة الإنسانية ضد التعود واللامبالاة.
تأمل قليلًا حولك، ستجد أن من فقدوا الإحساس قد فقدوا إنسانيتهم قبل أن يفقدوا قيمهم. ترى أحدهم يعبر أمام محتاجٍ فلا يلتفت، وآخر يتابع مأساةً على شاشة هاتفه ثم يتجاوزها ببرود، كأنها مشهدٌ تمثيلي لا علاقة له بالواقع.
حين يتحول الألم إلى مادةٍ عابرةٍ للاستهلاك، نكون قد وقعنا في فخّ الاعتياد، وخسرنا جوهر وجودنا في هذه الحياة القصيرة مهما طالت.
أنت بخير حين تدمع عيناك لمشهدِ أمٍّ تحتضن طفلها الجائع، أو حين يخنقك الغضب لأن العدالة تأخرت.
أنت بخير إن ضاقت روحك لأن طفلًا حُرم من الأمان، أو وطنًا أُثخن بالجراح، أو إنسانًا وُئدت أحلامه ظلمًا.
الإحساس ليس عبئًا كما يظن البعض، بل نعمة، لأنه يمنحك حياةً مضاعفة — حياةً تشارك فيها غيرك حتى وإن لم تلتقِ بهم.
الفارق بين الإنسان وسواه أنه يشعر، يتألم، ويتفاعل.
الضمير الحيّ ليس رفاهية، بل هو البوصلة التي تحفظ لنا اتزاننا وسط جنون العالم.
لا تخجل من دمعك، ولا تعتذر عن إحساسك، فالقلوب التي لا تبكي لا تُحب، والعيون التي لا ترى معاناة الآخرين، لا ترى الله في مخلوقاته.
ورغم كل هذا، فأنا لست بخير، حقًا لست بخير.
وكيف أكون بخير والإنسانية تدفع كل يومٍ ثمن موت الضمائر؟
كيف أكون بخير والعالم من حولي صار يُطبّع مع القسوة ويبرّر الجرائم باسم المصالح؟
ومع ذلك... ما زلت أؤمن أن الخير لا يموت.
يكفي أن تبقى القلوب التي تشعر، لتُبقي الحياة ممكنة.
فربّ دمعةٍ صادقةٍ تُعيد الإنسانية إلى مسارها، وربّ قلبٍ واحدٍ لم يطفئ نوره، يُنقذ العالم من عتمته.
تذكّر دائمًا:
أن تشعر... يعني أنك ما زلت حيًّا بحق.
أن تبكي... يعني أن فيك نورًا لم يُطفأ بعد.
فلا تدع هذا النور يخبو، لأن في لحظةٍ ما، سيكون ضوؤك وحده هو ما يرشد الآخرين في عتمتهم.





































