أن تشعر بالإطمئنان ببعض النوازل فهو أمر وارد.
أن تمر من بعض الإختبارات محتفظًا ببعض الإطمئنان فهو أيضًا وارد الحدوث.
ولكن أن تمر بإبتلاء صعب وإختبار يتعدى قدراتك البشرية خاصة مع عدم قدرتك على التبرير والتفسير وتحتفظ بنفس الوقت بإطمئنان قلبك فهو أمر خارق للعادة.
تأملوا معي هذا الموقف العصيب لفتاة يتم إتهامها في شرفها وعذريتها وأنها قد حملت سفاحاً فياله من موقف عصيب لفتاة أُشتهر عنها الصلاح والتقوى وكثرة عبادتها وتقربها لله كما أنها كانت مضرب المثل في الطهارة والعفاف بين أهل قريتها وقريناتها من الفتيات.
لو فكرنا لثواني لوجدنا أن من يتعرضن لهذا الموقف الصعب والعصيب قد يفكرن بالموت هرباً من الفضيحة أو الهروب خوفاً من المواجهة.
ما حدث هنا أن الفتاة الطاهرة مريم البتول المتهمة في عفتها وشرفها قد تمنت الموت بالفعل حتى أنها تمنت لو أنها كانت نسيًا منسيًا ( " قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا "
وذلك لعلمها أن من سيتهمونها لن يسمعوا لها ولن يصدقونها ولن يتسع إدراكهم لبشارة ربها لها.
فهم قد أعدوا العدة لحصارها وقد شحذوا سكاكينهم بإفتراءاتهم ورغم ذلك نفذت أمر الله واثقة بأنه لن يخذلها وهنا سكن الإطمئنان بروحها ووقر بقلبها ويقينها.
هنا تتجلى رحمة الله وفضله مع من وثقوا برحمته.
المكان بيت لحم الجموع قد توحدت على فكرة واحدة لا يوجد سواها ألا وهى من أين لك هذا!؟
حتى أن منهم من ألقى بهذه التهمة على نبي الله زكريا ومنهم من الصقها بيوسف النجار وهم من أصحاب الصلاح والتقوى كما الطاهرة العذراء السيدة مريم.
هنا تكثر التساؤلات وتزداد الهمهمة فكيف لمن كان أبوها تقيًا ومن كانت أمها طاهرة وأختًا لهارون التقي النقي أن تأتي منكرًا كهذا!؟
والطاهرة تلتزم الصوم صمتًا وهى تشير للصبي بمهده.
يزداد القوم حنقًا واستنكاراً فهى تسفههم وتذدريهم وتقلل من شأنهم.
هنا تاتي رحمة الله ولطفه الخفي لينطق الصبي بمهده بأمر الله سبحانه وتعالى ببراءة خير نساء العالمين ومحدثًا عن نفسه ورسالتة.
( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا {29} قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا {30} وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا {31} وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا {32} وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا {33} )
نعود لمن جاءوا بأمر وخرجوا بأمر مغاير.
فهم تجمعوا ولم يكن حديثهم إلا عن الفتاة التي تخلت عن عفافها وطهرها لينفضوا وهم يتحدثون عن معجزة حديث الصبي وشتان ما بين تجمعهم وتفرقهم.
ربما وجدت نفسها ببعض الوقت وحيدة قد منع الله عنها من يقف بجانبها ويدافع عنها ولكنه منع يتبعه منح فمنعها الأسباب الواهية ليمنحها الحجة الدامغة.
الله لا يتخلى عن عباده الواثقين برحمته ولطفه ولا يخذلهم فهو وحده القادر على تغيير مجريات الأمور وقلبها رأسًا على عقب لينجي عباده المطمئنين بقدرته ورحمته.
وهكذا تتعدد عطايا الخالق سبحانه مابين المنع والمنح فمهما حدث لا تجزع لا تخف لا تقلق ولا تفقد إطمئنانك فهو سبيلك الوحيد للنجاة فكن مطمئنًا.