خسارة المال مؤلمة عند البعض، بينما يقلق آخرون من ضياع الفرص، وهناك من يتذمّر من قِلّة الرزق أو يخشى تقلبات الزمن. هكذا هي الحياة، لكلٍّ منّا مخاوفه وانكساراته، صغرت أم كبرت، قاسية كانت أم محتملة.
أما أنا، فليست خسارتي في مال أو جاه، بل في خسارة أشخاص من دائرتي الضيّقة، من أهلي وأصدقائي ومن وثقت بهم أكثر من نفسي. أشخاص وضعتهم في مكانة خاصّة، وظننت ـ وبعض الظن إثم ـ أنّ الزمان إن مال ما مالوا، وأنّ الجدران إن تهدّمت فجدارهم أصلب وأبقى. لكن حين تكشف الأيام حقيقتهم، وحين يسقطون من عيني بعد أن كانوا ملءَ القلب والبصر، أدرك أنّ ذلك هو الجرح الأعمق والانكسار الأكبر.
إنّ سوء الظنّ حين يأتي من أقرب الناس أشدّ وطأة من طعنة غريب، فهو لا يكشف فقط هشاشة علاقتهم بك، بل يعرّي زيف المودّة وغياب الإخلاص والوفاء. فما أقسى أن يتعامل معك البعض وكأنّ عِشرة العمر لا وزن لها، وكأنّ الملح الذي جمعكم مجرّد ذرات تذروها الرياح!
وتزداد المرارة حين تشتدّ الأزمات، فالمواقف وحدها كفيلة بكشف المعادن: هناك من يثبتون على العهد فيضيئون لك العتمة، وهناك من يخلعون أقنعتهم سريعًا، يبدّلون وجوههم مع كل موقف، وينحازون حيث تغلب الكفّة، لا حيث يفرض الوفاء. أولئك هم الخديعة المتجسّدة، والخذلان الصارخ.
لكنني تعلّمت أنّ الخسارة الحقيقية ليست في ابتعادهم، بل في بقائهم. وأنّ البعد عنهم غنيمة، وخسارتهم في حقيقتها مكسب، لأنّ الله شاء أن يُزيح عنك وجوهًا زائفة لتبصر حقيقتها قبل أن تغرق أكثر في سرابها.
إنّ مثل هذه العلاقات، سواء جاءت من قريبٍ أو بعيد، من أهلٍ أو صديق، ليست سوى علاقات سامة ومؤذية، وفي جوهرها هي خسارة بطعم المكسب.
وفي النهاية يا صديقي، الله مطّلع على السرائر، يعلم ما في القلوب وما تُخفي الصدور، وهو الحكم العدل الذي لا تخفى عليه خافية. فسلامٌ على من كان صادقًا، ورحمة على من حفظ العهد، وأما البقية… فما كانت خسارتهم إلا نعمة مستترة في ثوب محنة.