للحظات ساد هرج ومرج وساد الظلام بالمكان وصوت الرائد أمجد يطمﺌن الجميع قائلًا: أنا من أطفأت الأضواء فلا داعي للقلق.
عم الصمت بالمكان لا يقطعه سوى أنفاس الحاضرين مع رغبتهم في الاطمئنان على حلم، ومن خلال الهاتف الذي مازال ملقى على الأرض أتى صوت باتيا وهي تقول: هذه الرصاصة فقط للتحذير، ولو كنت أريد موت حلم ما كنت لأخطئ هدفي وما كنت لأتصل.
الرائد أمجد: ماذا تريدين؟
باتيا: الميكروفيلم مقابل حلم.. سبق وأخبرت أدهم.
حلم: حياتي أقدمها طواعية وما قدره لي ربي سيكون، وربما أنتم لا تعلمون عني شيئا ولكني لست ممن يساومون على مبادئهم وأبدًا لم ولن أقدم أي تنازلات حتى وإن كان الثمن هو عمري.
أدهم وهو بالكاد يرى حلم وسط الظلام وهو يتتبﻊ صوتها موجهًا الكلام لباتيا: تذكري ولا تنسي أنكِ هنا بمصر، ومن هنا ستكون نهايتكم و نهاية أطماعكم.
باتيا: أخبر الملازم أشرف عندما يعود من موقع إطلاق النار أنني أبعد ما يكون عن أيديكم، وأن الكرة الآن بملعبكم، ولا تختبروا صبري كثيرًا فأنا لا أتميز بفضيلة الصبر.. قالت هذا وهي تضحك بسخرية وتغلق الهاتف.
وكما غاب الضوء فجأة فقد عاد فجأة لينير المكان بقوة.
الرائد أمجد: أغلقت الأضواء حتى لا نكون أهدافًا سهلة
رهف: ولكنها قالت أن تلك الرصاصة للتحذير والتهديد. فرح: الحمد لله أن أحدًا لم يصب، هنا يدخل الملازم أشرف
لهم.
حاملًا
ورقة بين يديه كُتب فيها بالخط العريض «الميكروفيلم مقابل حياتكم وستكون البداية حلم .«
الملازم أشرف: حاولت اللحاق بها ولكن للأسف كانت قد غادرت الموقع، ويبدو أنهم على دراية كاملة بموقع الفيلا، عندما ذهبت كانت قد غادرت للتو فقد رأيت بقايا سيجار ما زال مشتعلًا.
الرائد أمجد: لقد استعانت بتليسكوب وربما كلاشينكوف لتصل لهذا المدى.
الملازم أشرف: عندما رأيت تلك النقطة الحمراء على قلب حلم حاولت إبعادها عن مرمى الإصابة.
الرائد أمجد: لقد تجاوز الأمر كل الحدود ويجب أن نتحرك سريعًا.. فليس لدينا وقت.
فرح: ولكن كيف يعبثون هكذا بحرية في بلادنا؟ أليست هذه مسئولية الأمن والمخابرات؟ أليس هذا تقصير من جانبكم؟
رهف: حقًا.. لماذا لا تلقون عليهم القبض وينتهي الأمر؟ الملازم أشرف وهو ينظر إلى رهف: ليس الأمر بهذه السهولة
التي تتخيلونها.
حلم: ولماذا؟ ألا نملك السيادة على أراضينا؟ ألا يكفيهم كل ما يفعلونه بأوروبا وأمريكا من اغتيالات لعلمائنا وكل من ينبغ بعلم من العلوم ليمنعونا من التقدم؟ أليس هم وراء اغتيال العالمة المصرية الدكتورة سميرة موسى عالمة الذرة النابغة والتي كانت أبحاثها كفيلة بأن تدخل مصر النادي النووي بتكلفة بسيطة ورخيصة؟ والتي اغتالوها بعد أن رفضت كل العروض للعمل معهم قائلة «هناك وطن غالٍ ينتظرني يسمى مصر» فاغتالوها بسيارة نقل على طريق كاليفورنيا لتقع سيارتها بوادٍ عميق ويقفز السائق ليختفي للأبد.
فرح: وهل ننسى العالم المصري السكندري دكتور يحيى المشد ذلك النابغة الذي كان يعمل بالمفاعلات النووية، وكان يحضر أبحاثه بالنرويج، وعندما طلبه الرئيس العراقي صدام حسين للعمل ببرنامج العراق النووي تم اغتياله في فرنسا بفندق
المريديان، ووجُدت جثته مهشمة الرأس، وكالعادة قُيدت الحادثة ضد مجهول.
فرح: في الكلية أعددت بحثًا عن الدكتور مصطفى مشرفة ذلك العالم المصري العبقري الذي تتلمذ على يد ألبرت أينشتاين، والذي أذهل العالم بعبقريته، وكالعادة اغتالوه بالسم عندما فشلوا في إقناعه بالعمل معهم حتى يحرموا مصر والعرب من علمه.
الرائد أمجد: وقد كان يسمع بفتور فهو على علم بكل ذلك القائمة طويلة ونحن نعلم أن أصابع الموساد تترك بصماتها على كل جريمة بحق علماؤنا.
الملازم أشرف: قد تمادوا حتى أنهم يغتالون كل من يشكك بمحرقة النازيين لهم ويتهمونه بمعاداة السامية، أليسوا هم من يسمون أنفسهم شعب الله المختار وما دونهم عبيدًا لا يستحقون الحياة؟ وما اغتيالهم للدكتور جمال حمدان أهم جغرافي مصري وعربي صاحبك تاب شخصية مصر إلا دليلًا على حقدهم وقذارة أعمالهم، فقد قتلوه لأنه كتب حقائق لا يحبون أن يقرأ عنها أحد أو يسلط أحد عليها الضوء، دبروا قتله ليمنعوه من إنهاء كتابه «اليهودية والصهيونية» وبعد موته اختفت مسودات الكتاب للأبد.
أدهم: كل هذا والعالمكما يبدو متواطئ معهم منذ وعد بلفور وحتى الآن، ونحن مازلنا لم نتعلم من دروس الماضي، فإلى متى؟ إلى متى؟
الرائد أمجد: الأمر ليس بتلك السهولة التي تتصورونها، بعالم المخابرات تتداخل الخيوﻁ ببعضها البعض، وليس كل ما يبدو على الأرض يتم التعامل معه بعشوائية.
أدهم: ولماذا كل هذه التعقيدات؟
الملازم أشرف: سفارة كل دولة على أرض أي دولة هي أرض تابعة لدولة تلك السفارة، يُمنع أيًا كان اقتحامها مهما كانت الأسباب، مثلًا سفارة مصر بأمريكا هي أرض مصرية تحظي بكامل السيادة كما وأنها جزء من الأراضي المصرية كذلك، دخول عملاء الموساد أو عملاء أي مخابرات لا يكون بأسمائهم الحقيقية ولكن بأسماء حركية وجوازات سفر بغير هويتهم الحقيقية، وأيضا هم يجيدون التنكر، لذلك أي عميل له أكثر من جواز بأسماء وملامح مختلفة.
حلم: هل معنى ذلك أنهم سيفلتون من العقاب وستقيد تلك الحوادث كالعادة ضد مجهول؟
أدهم: مستحيل أن يفلتوا من العقاب، دم أخي ووالدة لين ليس رخيصًا، ولن يضيع هباءً، وإن كانت الأعراف الدبلوماسية تقف حائلًا بينكم وبينهم، فهي لن توقفني أبدًا ولن أنتظر حتى يأخذوا حلم من بين يدي، قال هذا وأنتبه أن الجميع قد توجهت أنظارهم إلى حلم التي احمرت وجنتيها من الخجل وهي تهمهم بعبارات غير مفهومة.
الرائد أمجد: ومن قال أنهم سيفلتون؟ نحن لن نألوا جهدًا في سبيل حماية الوطن، وكل نقطة دم هي دين برقبتنا حتى نثأر لها
من هؤلاء الخونة والمرتزقة، واستطرد قائلًا: لذلك لا يجب علينا أن نضيع مزيدًا من الوقت وعليكَ يا أستاذ أدهم أن توضح لي ذلك الغموض، وأريدك أن تخبرني عن ماذا يبحثون؟ وكيف نصل إليه قبلهم لنمنعهم من تحقيق مآربهم الخبيثة.
أدهم وقد عاد بذاكرته للوراء: في آخر زيارة لي بمصر أنا ورين ولين قضينا أسبوعًا بأسوان مع أخي أحمد، ومن هناك اشترى أخي أحمد دمية متوسطة الحجم على هيئة دُب أحبته لين كثيرًا، ولم يكن يفارقها أبدًا حتى أثناء النوم وأصبح كما تقول صديقها المقرب، وعندما غادرنا عائدين إلى فرنسا وبمطار القاهرة اختفى هذا الدب، بحثنا عنه في كل مكان بلا جدوى، ولم تكف لين عن البكاء والصراخ وقد حاولنا إلهاءها بأي شيء آخر أو بشراء دمية غيره، ولكن بلا فائدة.. وعندما فقدنا الأمل في إيجاده وقبل دخول بوابة الطائرة لحق بنا رجل أمن ليخبرنا أننا نسينا دميتنا وأن هناك سائح أجنبي قد وجدها وطلب إيصالها لنا، وقتها لم نعرِ الأمر أي اهتمام، وكان كل همنا أن تكف لين عن البكاء.. وهذا ما حدث.
أخذ نفسًا عميقًا وهو يستعيد بعض الأحداث من ثَم قال: عندما وصلنا إلى فرنسا وفي أول يوم لاحظت رين أن هناك اختلاف بسيط بالدمية، فلقد كانت تبدو جديدة.. بينما دمية لين كانت أقدم قليلًا من أثر اللعب بها، تنفس وهو يتابﻊ حديثه قائلًا: بنفس المساء وعندما كانت تلهو لين بألعابها في غرفتها بفرنسا وعندما ذهبت للاطمئنان عليها وجدتها تعبث بالدمى
وتخرج الحشو منها والبطاريات وتعيد حشوها مرة أخرى وهكذا، فأعدتها إلى سريرها وقمت أنا بإعادة الحشو إلى الدمى وأعدتها الى خزانة الدمى ما عدا ذلك الدبدوب الذي أصرت على أن ينام بجانبها، كان الجميع يستمعون له بإنصات دون مقاطعة حتى أنفاسهم لم يكن يسمع لها صوتًا.
أدهم: صباح اليوم التالي وعندما ذهبت رين إلى فراش لين لتوقظها لم تكن الدمية إلى جانبها، وظل اختفاؤها يمثل لنا لغزًا كبيرًا لم ندرك سره وقتها، ومن بعدها بدأت المصائب تحل علينا بلا توقف.
رهف: مهلًا.. هناك شيء لم أفهمه أو يبدو أن هناك حلقة مفقودة أستاذ أدهم بحديثك.
الملازم أشرف: هل تسمح لي أستاذ أدهم بالإجابة على هذا السؤال؟
أومأ أدهم بﺈيماءة من رأسه أعقبها الملازم أشرف بقوله: آنسة رهف.. بمطار القاهرة وأثناء سفر أستاذ أدهم تم تبديل الدمى، فعندما اختفت دمية لين وعادت لم تعد نفس الدمية بل عادت دمية شبيهة لها، ولا أستبعد أن تكون من نفس المكان بأسوان، فيبدو أنهم كانوا يراقبون الأستاذ أدهم وكل تحركاته.
فرح: ولكن لماذا؟
هنا رد عليها الرائد أمجد قائلًا: ما بين تبديل الدمى كانت الدمية التي عادت إلى لين تحمل شيئًا هامًا يودون إخراجه من
مصر إلى فرنسا دون أن يشك بهم أحد، فربما كان من يحمل ذلك الشيء قد شعر أنه قد تم كشفه، وربما تكون هذه خطة بديلة في حال عدم نجاحه هو بالخروج بالميكروفيلم تكون هذه هي الخطة البديلة.
حلم: حسنًا وقد خرجت الدمية وبها الميكروفيلم وهم أخذوا الدمية كما يبدو من تسلسل الأحداث فماذا يريدون بعد ذلك؟
هنا التفت الجميع وتوجهت أعينهم إلى أدهم وهم يقولون:
نعم ماذا يريدون؟
بثقة وبهدوء نظر أدهم إليهم وهو يقول: سأخبركم الآن ماذا يريدون وكيف وأين نجده؟
يتبع





































