كانت اللعبة التى تستقلها لين فارغة،
و حلم شبه فاقدة للنطق.. فقط تنظر بعينيها وتشير بإصبعها ناحية أحد المخارج، حيث كان هناك رجل ضخم الجثة عريض المنكبين حاد الملامح تبدو ملامحه غير عربية تتقدمه فتاة في الثلاثينات من عمرها، شقراء صارخة الجمال ذات شعر أحمر كستنائي، كان الرجل يحاول شق طريقه وسط الجموع بصعوبة بالغة، وبسرعة فائقة تحرك السائق الذي كان يرافق حلم ورفيقتيها بمهارة وبراعة منقطعة النظير متجاوزًا تلك الحشود، وفي نفس الوقت يستخدم جهاز إرسال صغير الحجم ويتحدث بنبرة حازمة وهو يخرج مسدسًا صغير الحجم دون أن يستخدمه وذلك لكثرة الأعداد المتواجدة بالمكان خاصة وإن أغلب المتواجدين من الأطفال الصغار.
تم تطويق المكان وإحكام السيطرة على جميع منافذ الدخول والخروج، عندما أحس الرجل بمحاصرته أمسك لين بقبضته اليسرى ورفعها عاليًا وهو يحمل مسدسه بيده اليمنى ملوحًا به باتجاه الحشود الهائلة بالمكان، مما أثار الهلع والفزع بالمكان والجميع يتدافعون وهم يحاولون الخروج من المكان، بوسط ذلك الجو المشحون بالخوف والترقب كان السائق بغرفة المراقبة يحاول تحديد مكان تواجد لين وتوجيه بعض الرجال باتجاه بعض المنافذ، وعندما حدد مكان لين والرجل وقد كان بممر طويل باتجاه أحد المخارج يعلوه بعض الألعاب الهوائية، بسرعة ومهارة تسلق أحد تلك الألعاب، وعندما أصبح فوق ذلك مباشرة قفز من علو شاهق مما أثار خوف الجميع، ولكنه كما يبدو كان مدربًا على ذلك، بهذه الأثناء كان الرجل الضخم يحاول شق طريقه وسط الحشود ملوحًا ومهددًا بسلاحه لمن يقف بطريقه، بسرعة ومهارة انقض السائق عليه، وقبل أن تلامس أقدامه الأرض
كان يركل يد الرجل بقوة بإحدى قدميه، مما جعله يفقد مسدسه، وفي نفس الوقت كانت قبضته تصطدم بأنفه ووجهه بقوة هائلة جعلت الرجل يترنح ويتمايل وهو يحاول عدم السقوﻁ ومازالت لين بيده وهي تشير لحلم وتصرخ باكية.
حدث هذا بأجزاء من الثانية قبل أن يلتقطها السائق بيده وهو يحميها بجسده من السقوﻁ، وضعها على الأرض وأشار لها أن تنطلق باتجاه حلم قبل أن يقف متأهبًا لقيام ذلك الضخم مرة أخرى، والذي ما إن وقع على الأرض حتى سال الدم من أنفه وفمه وكان باقي العناصر يحاصرونه من كل اتجاه.
هذا بدا وكأنه فيلم )أكشن( لم يستغرق سوى دقائق، وقبل أن يتوجه الرجال نحو الرجل لاعتقاله وبسرعةٍ خاطفة كان يتناول شيئًا صغيرًا من معصمه ويتناوله بفمه ليبتلعه، حاول الرجال إخراج ذلك الشيء من فمه ولكن كان قد سبق السيف العزل، ولم تمر لحظات إلا وكان الرجل يتلوى من الألم كالثعبان مع خروج ما يشبه اللعاب من فمه بغزارة وقد جحظت عيناه وتدلى لسانه من فمه قبل أن تهدأ حركته ويستقر جسده للأبد، توجهت حلم ورفيقتيها نحو لين وهن ينتفضن من الخوف، والقلق والرعب يبدوان على ملامحهن، كان السائق هو من يتعامل مع الموقف.. يوجه الجميع ويتخذ القرارات.
توجه إليهن بعد أن أمر الرجال بﺈخراج جثة الرجل وهو يشير إلى لين قائلًا: الحمد لله مازالت الأمور تحت السيطرة فلا تقلقن ستكون كل الأمور بخير.
رهف: من أنت؟ وهل لديك تفسير لكل ما حدث منذ قليل؟ عرف عن نفسه قائلًا: الملازم أشرف منصور والرائد أمجد
سيوضح لكن كل شيء بالتفصيل.
فرح: هل تقصد أن كل هذا كان مدبرًا له وأنكم تعلمون بذلك؟
حلم: هل جعلتم منا طعمًا لهؤلاء القتلة؟ هل تدرك ماذا فعلتم بنا؟ كان يمكن أن تموت الطفلة، وكان من الممكن أن يفقد الكثيرون حياتهم.
الملازم أشرف: سأعيدكن الآن وستعلمن كل شيء بعد قليل، مرت الدقائق ثقيلة بالسيارة وكان الفتيات تتبادلن النظرات غير مدركات لما حدث وغير مصدقات أنهن مازالن على قيد الحياة، عندما وصلوا إلى الشارع الرئيسي كانت هناك سيارة سوداء تغادر المكان مسرعة وتكاد تصطدم بهم من شدة سرعتها، بل وربما احتكت بهم قبل أن تغادر مسرعة، حاول الملازم أشرف رؤية أرقامها ولكنها لم تكن تحمل أية لوحات معدنية، تحدث إلى أحد الرجال بالسيارة الأخرى وهو يعطيه أوصاف السيارة ويعرفه اتجاهها، كان الجميع قد وصلوا إلى الفيلا والتي كانت بوابتها مفتوحة على مصراعيها، وما إن دخلوا إلى الحديقة حتى وجدوا الكلب ممددًا على أرضية الحديقة، توجه الجميع إلى داخل الفيلا وللوهلة الأولى أدرك الجميع أن المكان قد تعرض للسطو، فكل شيء قد أصبح في غير مكانه وكأنما أصبحت الفيلا رأسًا
على عقب، فالأثاث كله في غير مكانه، والغرف مفتوحة على مصاريعها،
قبل أن يفيق الجميع من الصدمة تناهى إلى مسامعهم صوت أنين مكتوم يأتي من مكان لا يستطيعون تحديد مصدره.
فرح: هل تسمعون ذلك الصوت؟
رهف: نعم أنا أسمعه، ولكن.. من أين يأتي؟
حلم: أعتقد من المطبخ أو المكتب ولكنه هنا بالدور الأرضي، وما إن أنهت كلماتها حتى انقسموا إلى قسمين، فتوجهت حلم وفرح إلى المطبخ بينما توجه الملازم أشرف ورهف إلى غرفة المكتب.
لحظات وصرخت فرح صرخة مكتومة تجمع على إثرها الجميع في المطبخ، فقد كانت السيدة فريدة والطباخ مقيدين بالحبال وعلى أفواههما شرائط لاصقة، انتزع الملازم أشرف الشريط اللاصق من على فم الطباخ بينما نزعت رهف
الشريط اللاصق من فم فريدة، والتي كانت أول كلمة تنطق بها وهي تصرخ أدهم .. أدهم.
كانوا يبحثون عنه، وكأنها قد ألقت بقنبلة عندما نطقت باسم أدهم، فهل هو بخير؟
كيف لم يخطر ببالهم أدهم وهم يجتازون الحديقة ويرون ريكسي ممدًا؟
حلم بلهفة وخوف وقلق: غرفة المرسم.. أعقبت قولها ذلك وهي تنطلق باتجاه الحديقة يتبعها الجميع، وما إن وصل الجميع
إلى الحديقة محاولين الوصول إلى المرسم حتى أخرج الملازم أشرف مسدسه وهو يطالبهم بأن يتبعونه من خلفه، تسلل بخفة نحو غرفة المرسم والجميع من خلفه، كان باب المرسم مغلقًا من الخارج، حاول الملازم أشرف دفع الباب دون جدوى فأشار لهم بأن يبتعدون قليلًا، وتوجه نحو الباب بكل قوته بكتفه ليفتح الباب على مصراعيه، صرخة حلم شقت سكون المكان وهي تتوجه نحو أدهم، والذي كان مسجيًا على الأرض وقد تورمت عيناه والدم يسيل من أنفه وفمه والكثير من الخدوش والكدمات تبدو ظاهرة على صدره ويديه، توجهت حلم نحوه.. وضعت رأسه بين يديها وهي تحاول جس نبضه أو سماع نبض قلبه، ودموعها تتساقط بصمت على وجهه، بنظرة واحدة للمكان أدرك الجميع أن ما حدث في الفيلا قد حدث في المرسم وأكثر، فاللوحات شبه ممزقة والألوان مسكوبة على الأرض وكل الأدوات الخاصة بالرسم متناثرة بكل مكان،
حلم: فليطلب أحدكم سيارة الإسعاف بسرعة، من فضلكم.. أرجوكم تحركوا بسرعة.
فريدة القادمة من الخارج وقد سمعت ما قالته حلم: لا تقلقي يا ابنتي، الإسعاف في طريقها إلى هنا، سيكون بخير.
حلم: رجاءً فليذهب أحدكم إلى الفيلا للاهتمام بلينٍ، قالت هذا وهي تتوجه ببصرها إلى فرح والتي أومأت برأسها إيجابًا قبل أن تغادر.
من ثم قالت حلم بصوت خافت ملهوف: هلا أحضر أحدكم كوب ماء وبعض الكمادات والمطهرات؟
خرجت فريدة مسرعة لإحضار ما طلبته حلم، بينما انهمك الملازم أشرف بفحص المكان وجمع بعض الأشياء والتي قد تفيده فيما بعد في حل ذلك اللغز.
سمع الجميع صوت سيارة الإسعاف وهي قادمة، بينما انهمكت حلم في تضميد جراح أدهم وتنظيف الخدوش وإزالة الدم المتخثر على يديه قبل أن يأتي الطبيب المرافق لسيارة الإسعاف وهو يتفحص أدهم قائلًا: هل حركه أحد من مكانه؟ حلم: لم نحركه خوفًا من وجود أي كسور أو ما شابه، الطبيب : هذا أفضل، أعقب كلامه بتفحص أدهم فأخذ يقيس ضغطه ويتحسس نبضه ويحرك جسده، قبل أن يقول: لا داعي للقلق، هو بخير ولا داعي لنقله للمستشفى، طلب من معاونيه نقله إلى الفيلا وهو يسأل إن كان هناك من يمكنه الاهتمام به وإعطاءه الأدوية ومباشرة علاجه؟
حلم: أنا يمكنني القيام بذلك، فعندي معلومات كافية بالتمريض.
الطبيب: حسنًا.. لقد أعطيته حقنة مسكنة للألم وعندما يفيق سيكون بخير.
غادر الجميع مع المسعفين وهم في طريقهم إلى الفيلا، وعندما همت حلم بالخروج استوقفها المرسم وأخذت تتأمل في
أرجائه بتمعن، كان الجميع قد غادر عندما اقتربت رهف من حلم
وهي تقول بنبرة ودودة: هيا بنا حبيبتي.. فلنخرج.
حلم: أستأذنكِ لحظات، أود أن أبقى قليلًا.. يمكنكِ أن تسبقيني إلى الأعلى.
خرجت رهف لتصبح حلم بمفردها في المرسم، كان المكان رغم الفوضى العارمة التي خلفها من اقتحموه ينم عن فنان حقيقي، اللوحات مازالت تحتفظ بروعتها رغم أنها ممزقة، كذلك الالوان تخطف الأبصار برونقها، حتى النوافذ موزعة بالمرسم بشكل يجعل الحديقة والنباتات واضحة المعالم لمن بالداخل، تنهدت تنهيدة عميقة وهي تتجول بناظريها بالمكان قبل أن تحسم قرارها بالخروج، أثناء مغادرتها وهي تقترب من الخروج لمحت بطرف عينيها حامل لوحات مغطى بقماش أبيض داكن، كان يقف بزاوية الغرفة منفردًا وكأنه بمعزل عن تلك الفوضى، لا تدري لماذا تملكها الفضول للاقتراب من ذلك الحامل بهدوء وحذر فى نفس الوقت، وعندما أصبحت بمواجهته مدت يديها لتشد القماش من عليه ولكن فجأة توقفت يديها، تشعر بتردد وحيرة، ماذا لو كان سرًا لا يحقُ لها أن تراه؟
ولكنه فنان يرسم اللوحات وبالتأكيد هي إحدى لوحاته.. هكذا حدثت نفسها.
لحظات من الكر والفر بينها وبين نفسها قبل أن تحسم أمرها وتشد القماش بسرعة وقوة ربما لتمنع نفسها من التراجع عن قرارها، لحظات كالدهر مرت عندما أصبحت بمواجهة اللوحة،
فهي لم تكن سوى صورة زيتية لها بالحجم الكبير والمجسم ثلاثي الأبعاد، شعرت بدوار وقشعريرة تسري بكامل جسدها وهي تتأمل صورتها وكأنها ترى نفسها بمرآة.
بذهول ودهشة وحيرةكانت تتملككل قسماتها وتبدو واضحة على ملامحها، تترقب الصورة فى محاولة منها لاستيعاب ما تراه بعينيها، ولم تكن دهشتها وذهولها وحيرتها بسبب الصورة وحسب ولكن لأن الصورة كانت لها بنفس ملابسها وجلستها ونظرتها وهي بتلك الحافلة التي كانت تمر يوميًا من أمام الكوفى شوب..
يتبع









































