المكان موقف للسيارات والباصات الأجرة والتي تقوم بنقل الركاب ما بين المدن والمحافظات.
من بعيد تأتي أسرة مكونة من رجل وزوجته وطفل صغير، لتلحق بذلك الباص والذي لم يتبقى به سوى مقعدين شاغرين ليتحرك، بينما يقوم الرجل بتوجيه زوجته وحثها على التحرك بسرعة للصعود، يقوم شابان بالتدافع والصعود قبلهما، هنا تحتدم المشكلة ويتفجر الموقف فالرجل يصر أنه هو وزوجته من وصلا أولاً، وأنه الأحق منهما بالركوب، بينما الشابان وبمنتهى البلادة وعدم الإكتراث يصران على عدم النزول بعد أن أصبحا داخل الباص بالفعل وأتخذا مكانهما فوق مقعديهما، هنا يتدخل الناس لفض تلك المشكلة وليدة اللحظة والموقف للفصل بينهما، منهم من يؤيد أحقية الرجل بالصعود خاصة أنه برفقته امرأة وطفل صغير، بينما هناك من يقول كعادة الجميع بمثل هذه المواقف أن بكل تأخير خير، أخر يقول أن الباص الثاني الذي ينتظر دوره لتحميل الركاب كاد يكتمل، بعد شد وجذب وبسبب بكاء الطفل لصراخ والده وتوسل المراة لزوجها بعدم افتعال مشكلة ينصاع الرجل ويترك الباص ليتحرك بمن فيه وهو يلعن هذا الجيل الذي ضاعت منه النخوة والشهامة.
يتحرك الباص بمن فيه وما هى إلا دقائق معدودة حتى كان الباص الثاني يلحق به، بمنتصف الطريق يلاحظ سائق الباص الثاني والركاب تجمع كبير وتوقف تام لحركة المرور، وما أن نزلوا ليستطلعوا الأمر حتى رأوا ما جعل أبدانهم تقشعر من هول ما رأوا، كان الباص الأول قد أصبح قطعة من الخردة إثر إصطدامه بسيارة نقل كانت تسير عكس الإتجاه مما أسفر عن موت وإصابة الكثيرين.
سارع الجميع بمساعدة المصابين ونقلهم إلى جانب الطريق بينما وقف الرجل صاحب المشكلة والذي كان منذ قليل يقاتل ليركب هذا الباص مشدوهًا غير مستوعبًا لمَ يراه بأم عينيه، كان ينظر وهو يقف بلا حراك فقط يحوقل ويحمد الله أنه لم يكن داخل الباص، حتى أنه لم يشعر بذلك الرجل الذي يربت على كتفه وهو يقول بصوت متهدج بدا عليه التأثر ألم أخبرك أن بعض التأخير ربما يكون خيرًا لك وأنت لا تدري، أردف قائلاً له بعتاب لم ترى نفسك كيف كنت تقاتل منذ قليل للصعود على متن هذا الباص؟ هل أيقنت الأن أنه تدبير الله ولطفه الخفي؟
هل إستشعرت عناية الله ورحمته بك وبأسرتك؟ ربما تكون تأخرت بعض الوقت، بضع دقائق فقط وهذا بظنك شر تود دفعه بينما لم تدرك بنظرتك القاصرة أن بين ثنايا هذا المنع نجاتك بعمرك أنت ومن معك.
هل جربتم مرة النظر للأمور من خارج إطارها المعتاد؟
إن إستطععتم ذلك ربما تدركون وقتها أن الله يمنع عنا أمراً نريده لأنفسنا ليمنحنا ما يريده لنا، وما بين ما نريده نحن وما كتبه الله لنا مساحة من اللطف والرحمة لا تدركهما عقولنا القاصرة فبعض المنح تكون مستترة بقلب المحن .
نعم قد تخذلك المواقف، قد يخذلك من حولك، قد تخونك أدواتك، قد تتهاوى أحلامك حلمًا تلو الأخر، قد لا تتحقق أمنياتك، ولكن ثق أن الله يسمع ويرى ولن يخذلك ما دمت تحسن الظن بقدرته ورحمته.
لاتحزن وأنتظر وتريث لتستشعر رحمة ربك إذا منح وإذا ومنع.