في زحمةِ الحياةِ وتقلّباتِها، يظلُّ الرجلُ يقضي يومَه متنقّلًا بين الطُّرقاتِ وأصواتِ الناسِ وضجيجِ الواقع، يُخالطُ مَن هبَّ ودبَّ بحكمِ عملِه، يتلقّى سخافاتٍ ويبتلعُ مراراتٍ، يُضطرُّ إلى المجاملةِ والتغافلِ، بل والتغابي أحيانًا، فقط ليعبرَ اليومَ بسلام. وفي المقابل، تعتكفُ المرأةُ في بيتِها على مهمّتِها الأسمى، كزوجةٍ وأمّ، حاملةً على عاتقِها ضجيجَ الأطفالِ، وصراخَهم، ومشاكساتِ الجيران، وصراعًا لا يهدأ مع تفاصيلِ يومٍ طويلٍ لا يعرفُ الرَّحمة.
وهناك فئةٌ أخرى من النساء، دفعتْهُنَّ الظروفُ إلى ميادينِ العمل، يحملنَ أعباءً مضاعفة، يقدّمنَ ضريبةً قاسيةً تُدفعُ فاتورتُها من راحتِهنَّ أوّلًا، ثم من راحةِ الجميع: الرجل، والمرأة، والأطفال.
وعندما يحلُّ المساء، يعودُ الرجلُ مُثقَلًا بهمومِه، وتعودُ المرأةُ وقد أنهتْ مهمّاتِها بين مطبخٍ وبيتٍ وأطفال، فيتطلّعُ كلاهما إلى شيءٍ واحد: قسطٍ من السكينة، لحظةٍ من الدفءِ الإنساني، كلمةٍ تَمسحُ العناء، أو ابتسامةٍ تُذيب ما تراكم من أوجاعِ النهار.
ليت كلَّ زوجةٍ تعلم أنّ دواءَ متاعبِ الرجلِ ابتسامةٌ تُشرق من مُحيّاها، وحُنوٌّ يلمسُ قلبَه، وتقديرٌ لدورِه، فيجد عندها ملاذَه من صخبِ الخارج. وليت كلَّ زوجٍ يعلم أنّ قلبَ زوجتِه يتفتّح بكلمةٍ طيّبة، ونظرةِ محبّة، واحتواءٍ صادق، كما قال صلى الله عليه وسلم: «خيرُكم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلي».
لكنْ حين يغيبُ هذا التلاقي، ويحلُّ العبوسُ محلَّ الابتسام، والقسوةُ محلَّ اللِّين، تكتمل سيمفونيّةُ الوجع، ويذبل الحُلمُ الأخيرُ في راحةِ البال. ولنا في القرآنِ هدايةٌ حين قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21]؛ فهي ليست علاقةَ جسدٍ بجسد، بل روحٍ بروح، ورحمةٍ تُظلّل الاثنين معًا.
إنّها ليست مجرّدَ حياةٍ مشتركة، بل امتحانٌ للإنسانيّةِ في أرقى صورِها، فإمّا أن ننجحَ فيها بالحبِّ والرَّحمة، وإمّا أن نظلَّ غرباءَ في بيوتٍ عامرةٍ وأرواحٍ مُشوّهة وقلوبٍ كسيرة.
فلتكن بيوتنا أوطانًا صغيرةً للسكينة، ولتكن القلوبُ أوعيةَ رحمة، لا ميادينَ خصام. وليت كلَّ حبيبٍ يتذكّر أنّ الحُبَّ ليس كلماتٍ عابرة، بل متكأٌ وسند، وسفينةُ نجاةٍ في بحرٍ متلاطم.
"كيفَ لا يكونُ الحبيبُ مُتكئًا لِمَن يُحبّ، دَواءً من كُلِّ داءٍ، وراحةً لهُ بعدَ كُلِّ صَعبٍ"
أليس الحبيب متكئًا لمن يحب؟