رحل المحتلّ بآليّاته العسكرية، لكنّ أطماعه لم ترحل. ظلّت كامنة في عقول أذنابه وعملائه الذين يواصلون تنفيذ خططه الشريرة في جسدٍ عربيٍّ أنهكته الجراح. فما حدث بالأمس لأهلنا في غzة ليس ببعيد، وما يحدث اليوم في الفاشر السودانية من تدمير وتجويع وترهيب وقتلٍ على الهوية، ليس إلا استمرارًا لعقيدةٍ عنصريةٍ مقيتة، تُدار بأجنداتٍ ممولة، وللأسف بأيدٍ ممن يُفترض أنهم إخوتنا في الدين والعروبة والإنسانية.
يحدث كل ذلك أمام أنظار عالمٍ تجرّد من إنسانيته. عالمٌ يختار الصمت، بل يغضّ بصره عن مجازر وكوارث يندى لها جبين البشرية، وتفزع لها الضمائر الحيّة، إن تبقّى منها شيء.
الفاشر اليوم سُبّة في جبين العالم، ووصمة عارٍ لن تُمحى مهما مرّ الزمن.
أطفالٌ في عمر الزهور تتقاذفهم النيران بدل أن تتقاذفهم الأراجيح. وأحلامهم التي كان يُفترض أن تحلّق نحو السماء تحوّلت إلى أرواحٍ طاهرةٍ صاعدةٍ تشكو لبارئها قسوة الإنسان على أخيه الإنسان.
ما يحدث ليس حربًا شريفة، بل تنكيلٌ ممنهجٌ وإرهابٌ صريح.
نساءٌ تُغتصب، ورجالٌ يُذبحون بدمٍ بارد، وبيوتٌ تُهدم على ساكنيها، في صمتٍ يختصر انهيار القيم، وتحوُّل العالم إلى غابةٍ لا مكان فيها إلا للقوة والمال.
وفي ظلّ التعتيم الإعلامي وقطع الاتصالات عن الفاشر، لا صوتَ يُسمع سوى أنين المظلومين.
في الفاشر تُقام مراهنات على من يقتل أكثر عددًا من أطفالٍ عُزَّل، وشبابٍ رُكَّع، ونساءٍ حوامل، دون إنسانية أو وازع من ضمير.
في الفاشر، السفاح أصبح بطلًا، والمجرم أصبح رمزًا. لِمَ لا؟ وهناك أبواق تكذب، وإعلام يضلل، ودبلوماسية تُزيف الحقائق، وخزائن مفتوحة على مصراعيها لشراء المرتزقة وتهريب أحدث أنواع الأسلحة وأشرّ أنواع البشر.
تحدّثوا عن إخوانكم في الفاشر. اجعلوا من كلماتكم صدىً لصرخاتهم المكتومة، لعلّ الضمائر تستيقظ من سباتها الطويل، ولعلّ صوت الحقّ يصل قبل أن يبتلعهم النسيان.
اللهم عليك بمن حرّض ومَوَّل ورَوَّع، اللهم اجعل كيدهم في نحورهم، وردّ بأسهم عليهم، ليذوقوا من كأس العذاب ما أذاقوه لإخوانهم المكلومين.
حسبنا الله ونِعم الوكيل، وعند الله تجتمع الخصوم.





































