الساعة الأن الخامسة عقب صلاة الفجر، حيث الهدوء والسكون وصوت أنفاسي مع ألاف الأفكار تتزاحم بل وتتصارع داخل رأسي، كثيرًا ما يتبادر إلى ذهني سؤال لا أجد له إجابة ألا وهو ترى من صاحب قرار الكتابة؟ هل أنا حقًا من يقرر متى يكتب أو ماذا يكتب؟ أم أن الفكرة هى من تلح وتقاتل حتى تخرج إلى النور؟ وماذا عن تلك المعارك التي تدور رحاها متخذة من روحي ورأسي مسرحًا وساحة للمعركة؟ لا أعتقد أنني سوف أجد إجابة شافية عن تلك المسألة على الأقل في الوقت الراهن لذلك دعونا ننحيها جانبًا منعًا لجدال عقيم بيني ونفسي كلانا فيه خاسران، الأن يجب أن أعود إلى حيث يعم الهدوء والسكون، حيث وقت إلهامي إن صادفني حسن حظي، في العادة تتداخل الأفكار فيما بينها، أفكار لا رابط فيما بينها سوى التضاد، فكرة من مشارق الأرض وأخرى من مغاربها، حيث أجدني في وقت واحد أمتلك عدة أفكار كلها صالحة للكتابة، فهذه تبدو فكرة مثيرة لقصة قصيرة وهذه فكرة جذابة لمقال ساخر وربما فكرة أخرى قد تصلح مستقبلًا كرواية وغير ذلك الكثير والكثير من التفاهات التي يعج بها عقلي، فجأة أجدني فقدت كل الأفكار دفعة واحدة، لا أستطيع الإمساك بخيوط أي منها، ينتابني الضيق لبعض الوقت مما يمنحني شعورًا مدهشًا كمبرر للخروج من كل شئ في نفس الوقت.
لبعض الوقت أتوقف عن الكتابة متسائلًا في بلاهة عن أشباهي في الأماكن البعيدة، هناك مثل عامي يقول "يخلق من الشبه أربعين" ترى أين هم الأن وماذا يفعلون ؟ مغمضًا عيني أتخيل أحدهم في مدينة أوربية تفصلني عنها ألاف الأميال، ترى ماذا يفعل الأن تحديدًا؟ هل هو عالم بصدد اكتشاف يخدم البشرية أم أنه ليس إلا سكير عربيد ربما لم يغادر الحانة حتى الأن، أتخيل أحدهم يمشي في الشارع يحمل مظلته لتقيه حبات المطر في إحدى بقاع العالم الممطرة، أحدهم يغط في نوم عميق في حواري كلكتا بالهند غير مبالي بما يحدث من حوله، أحدهم يفكر في تكملة دورة الحياة ليسلم الراية لمن يليه، ربما يكون أحد أشباهي ثريًا يطوف بيخته الفاخر جميع موانئ العالم، بينما أتخيل كل ذلك طرأ إلى ذهني سؤال ماكر وخبيث في نفس الوقت ألا وهو ماذا لو كان أحد أشباهي من صناع القرار في هذا العالم البائس؟ ماذا لو كان ممن يصنعون فتيل الحروب ويؤججون نيرانها؟ تركت جميع أشباهي لحياتهم ما عدا هذا الشبيه تراه ماذا يفعل الأن وفي هذا التوقيت بالتحديد؟ هل يجهز لقـ صف مدينة ما؟ أو ربما يدرس إصدار قرار بهـ دم مستشفى فوق رؤوس المرضى أو مدرسة يحتمي بها اللاجئون؟ هل من الممكن أن يكون أحد أشباهي طاغية ومستبد؟ لمَ لا ربما لو أتيحت لي الظروف المناسبة كنت أصبحت طاغية من طراز فريد. ليتني ألتقي هذا الشبيه الوغد الذي ينشر الحـ روب والخراب حول العالم دون أن يكترث لآلام البشر، دون أن يشعر بأوجاع أولئك الذين يعانون من ويلات الحروب، ليتني ألتقيه لأخبره أنه ليس سوى مسخ مشوه تلاحقه لعنات الأطفال اليتامى وآنات الثكالى.
ربما لن أخبره بكل ذلك ولكن ومما لاشك فيه أنني سوف اسأله سؤال واحد "كيف يمكنك أن تنام؟"