بغتة بلغت الثلاثين من ربيع عمري، الثامنة والثلاثون .. ولا أحد يصدق هذا ، فملامحي السّجية ومُحياي البريئة تجعل الجميع يتكهنون بأنني لا أزال عالقة بالعشرينات ، بخانة الأربعة والعشرون ؛ لكن في الحقيقة خلف هذا الوجه الملائكي الصبوح هناك حكايات وروايات .. حروب وثورات ، صورٌ وذكريات .. ولدت بأرض نمرود وترعرعت بالبلد الأخضر ومن ثم غرست غصنا وارفا للحياة بأرض عمر المختار وبعدها مررت بالجوار فشربت من نهر النيل حفنة وقبل أن أنسى تركت صفحة مليئة بالشجو والشجن بالأرض الهاشمية وعدت من جديد لوطني الأخضر وانتبذت في آخر الرحلة بالقارة العجوز .. كلّ بقعة على الأرض وطئت قدمي عليها برحت فيها ورقة من شجرتي الظمآنة بينبوع الحياة .. كتبت عليها صمودي ووعودي المتقدة كالذكوة لا تخمد ولا تصمت ، أحلامي وآمالي البكماء بالحنين والأنين لأيامٍ ولّت ولن تعود .. لعائلتي التي تفككت ولن تعود .. لوطن فقد ولن يعود .. لأطلال بعثرت ولن تعود .