العاشرة مساءً.. صوت دقاتٍ على باب الدار.. أجفلتُ قليلًا ثم نهضتُ لأرى مَن؟ إنها رشيدة ابنة العم!! تُرى.. ما الذي أتى بها في مثل هذا الوقت؟... لم تكن على ما يرام مؤخرًا..
أدخلتها على أية حال، هدأتها قليلًا، وانتظرت أن تُطلق سراح كلماتها من الأسر ..
بعيون دامعةٍ وقلبٍ كسير أفصحت عن دواخلها، قائلة:
- أكره قوانين الطبيعة، فهي السبب فيما آل إليه حالي.. خربت عليَ قلبه، وحولته من شرقٍ لغرب، ومن نقيضٍ لنقيض.
ثم بدأت في الانتحاب..
استبد بي الفضول، واحتلتني اللهفة لمعرفة الأمر، استحثتها كلماتي التوضيح فأردفت مفسرة:
- أوتذكرين؟؟..
كانوا ينصحوننا قديمًا بعدم ملئ الزجاجات حتى فوهتها عند وضعها بالمبرد، حتى لا تنفجر عندما يتحول السائل بها لصلب..
لقد رأيت ذلك يتحقق بأم عيني.. قد كان زوجي سهلًا منسابًا كماءٍ رائق، ثم سرت عليه طبيعة الأشياء.. حاصرته القوانين الفيزيائية؛ فأخضع نبضه لها بإرادته الحرة، تحولت مشاعره لثلجٍ قاسٍ صلب، فتحجر قلبه، وتضخمت أنانيته، وازدادت نرجسيته حجمًا؛ فكسرني.. لفظني خارج حدوده...
ازدادت نبضاتي ارتجافًا، وهربت مني الكلمات، صوت أنفاسي يعلو على صوت نحيبها، يتفوق عليه.. يتملكني الدوار، وكأن رأسي حلبة مصارعة، تتقافز به الأفكار تباعًا تباعًا، يا الله..
إن زوجي في سبيله للتجهيز لمناقشة أطروحته الخاصة بقوانين الفيزياء، أيكون هذا هو السبب في تغيره عليَ هذه الأيام؟
تركتها ونهضت مشدوهة، أعلم أين يحتفظ بالأوراق، ولكن.. ماذا أفعل؟ فليرشرني صوت العقل..
القداحة بين أصابعي تراودني إتمام الأمر وإنقاذ حياتي معه.. ما هي إلا ضغطة هينة ويندلع اللهب وينتهي الخطر.. صوت نحيب رشيدة بالحجرة المجاورة يستحثني الإسراع، نداء غامض يندلع بداخلي.. "أن أنفذي الأمر.. أنفذي الأمر".. لم أدر إلا والنير ان تلتهم كل شيء..
رشيدة تصرخ بجنون..
تجذبني للخارج..
شقتي الحبيبة تحتر ق..
تحتر ق..
ابتسامة راحة تعلو قسماتي بينما رجال الإطفاء يحاولون إنقاذ الموقف دون جدوى، أقتربُ من زوجي العاجز عن النطق من هول المشهد، أحتضنه بين ذراعيَ قائلة في حنو:
- لا تحزن حبيبي، فأنا لا أحتمل رؤيتك هكذا، كل شيء سيكون بخير مادمتُ بجانبك..
أُكملُ قائلة بينما يدي تمسح على رأسه:
- ألا تذكر؟ أنت طفليَ الصغير وأنا "ماما" التي تُحسن الاعتناء بِك..
يزداد تشبثًا بي ويحتضنني أكثر، تتمزق روحي من أجله، بينما قلبي يلعن تلك النار التي أحرقت حلمه، فأُكملُُ بأنين:
- ألا تبًا لذاك الشرر الكهربي الذي أكل الأخضر واليابس بجنتنا، ولكن حبيبي.. ما دمنا معًا فسنصنع فردوسنا الخاص، أليس كذلك..؟
قَبل جبهتي بحبٍ خالطه الامتنان وقال:
- أحمدُ الله أنكِ معي سيرين، فلا حياة لي بدونكِ، أنتِ دعوة أمي الطيبة لي..
حقًا.. لقد صَدق..
فإن لم أكن بجانبه..
كيف كان سيحيا...؟؟






































