"فلتحرريني... فلتحرريني"
لليوم الثامن على التوالي يتردد هذا النداء...
أصبحت أسمعه جيدًا الآن، بدأ الأمر بهمهمات غير واضحة بأول يوم ثم رويدًا رويدًا بدأت رؤية الأمر تتضح لي وغدا يوم الخلاص قريبًا.. كنت من شدة سعادتي لا أكاد أصدق أنني في سبيلي للفكاك من الأسر خلف لجين تلك المرآة...
تم سحبي ها هنا ثم احتجازي بين هذي الأطلال الخربة منذ الكثير من الوقت، هنا لا وجود للزمن، غير أني كنت أدرك جريان نهر الوقت عندما أرنو من خلف المرآة نحو ساعة الحائط المعلقة أمامها على الجانب الآخر مباشرة... ومن خلال ذاك التقويم أسفلها الذي ينبئني أنه قد مر عليَّ شهر ها هنا... عجبًا حسبته قرنًا وليس شهرًا...! ها هي تلك الفتاة البلهاء تخفض شدة إضاءة غرفتها وتقترب من نطاق المرآة لترديد النداء، يا ألله... كم ساذجة هي!! تظن أن أميرة عالم الحنين في سبيلها لانتزاع الأشواق من بين جنباتها، وأنها ستبرأ من داء الشوق الذي يكبل روحها... هكذا تعتقد كما كنت أعتقد وأنا في مثل موضعها... لا تدري أنه لا وجود لمملكة الحنين، وأنه ليس هناك أنسي ولا جني باستطاعته انتزاع ذلك الشوق القاتل من داخلها، وأنها عندما تلت القسم المعهود ثم أتبعته بترديد ذلك النداء ستحتجز هنا خلف لجين المرآة، وستتحرر عوضًا عنها أسيرة أخرى، وأنه من حسن حظي سأكون أنا تلك الأسيرة، حسنًا... ها هو اليوم الموعود، وها هي في سبيلها لترديد النداء، أكملتهم ثمانية نداءات حتى الآن... عندما تكرر نداءاتها للمرة التاسعة يبدأ تبادل الأدوار بيننا... ها هي تررده الآن...
- "فلتحرريني... فلتحرريني"
أشعر بلفح هواء ساخن...
كل الموجودات تتلاشى من حولى...
طنين شديد وانعدام كلي للرؤية...
ثم ها أنا قد تحررت...
صرت بموضعها...
خرجتُ من خلف لجين المرآة واُحتجزت هي عوضًا عني، يمكنني الآن أن أنظر لانعكاس صورتي بها... حسنًا ما زلت كما أنا... رائعة الحسن... أنتوي اختلاس بضع ثوانٍ لالتقاط الأنفاس، ثم لأبدأن في الانتقام من كل من خانني لأستطيع الصمود بعالمهم هذا؛ فهكذا تقول الأسطورة، ولأبدأن بذلك القاسي الذي ذبحني باسم الحب، وأراق دماء عشقي في محراب هواه، ليكونن انتقامي منه شديدًا...
أمسك بهاتف تلك البلهاء التي تبادلت الأماكن معها، أُكون رقمه الذي ما زلت أتذكره... أستمع لصوت الرنات... ثم صوته الناعس يأتيني من خلف غمامات النسيان يتساءل:
-من معي...؟
استجمعت كل ما تعلمته بفترة احتجازي من فنون الدلال قائلة:
- إنه أنا حبيبي... ألا زلت تذكرني؟ أعلم أنني قد اختفيت لفترة لا بأس بها، سأشرح لك كل شيء ولكن... هل بإمكاني القدوم إليك الآن؟ فقد اشتقت إليك كثيرًا..
ابتسامة مكر ترتسم على صفحة وجهي عند سماعي إجابته...لا بد أنه يتجهز الآن وهو يُمني نفسه بليلة لن تُنسى، حسنًا... هي حقًا لن تُنسى.
فأنا سأنفذ انتقامي منه، وأنتزع قلبه حيًا.