انطفأت جميع الأضواء.. كُلُّ الوجوه الّتي كانت مُلتفة حَولي رحلت، وبدأت بتجريب شيء لم أجرِّبه مِن قَبل، كُلّ ما أذكُره هو وخزة الإبرة الّتي دُبَّت في وريدي، بعدها لَم أذُكر شيء، سبحتُ في سباتٍ عميق لعدة ساعات -لا أعلم عددها- ومِن ثُمَّ فِقت، حينها لم أسمع شيء سِوىٰ صوت الممرضة الّتي تمنعني مِن تحريك يدي حتىٰ لا تُنتَزع إبرة السيروم.. لم أكُن أعي ماذا حدث.. ولا أين أنا وكيف أتيت.. توجهت ببصري نحو يدي اليُسرىٰ وجدتها عالقة بمحلول موضوع بجانب سرير أرقد عليه بإحدىٰ المُستشفيات، تذكرتُ ليلة البارحة وأنا أنطرح علىٰ الأرض وصرخات "سَليم" تنطلِق قبل أن يصل إلىٰ سطح المنزل كالمجنون، كان يبكي لأنَّني وعدته بألَّا أتركه طيلة حياتي وأرحل وها أنا أفعل، فـعُدت ببصري مرَّة أُخرىٰ جهة اليمين، لم أرَ سِواه، كانت نظراته تحمل عِتابًا لا نهاية له، وملامحهِ أيضًا قد وارتها كومَة مِن الغضب الّذي يكتمه بِداخِله.
لحظات وبدأ يستفرِغ كُلّ ما يحمله بِأعماقهِ ويُفجِر غضبه فِي، مِسكِنٌ أنتَ يا "سَليم" لا تعلم أنَّني لَم أُحاوِل إنهاء حياتي، بل حاولت إنهاء الألم، إنهاء الوِحدة، وإنهاء الغُربة الّتي تلتهمني نِيرانها كُلّ يوم.. الشُعور مُرٌّ يا "سَليم" لقد قضيتُ اثنى وعشرون عامًا أتألم، تُسلَب الطمأنينة مِن داخلي عام بعد عام.. الجميع رَحلوا يا سَليم.. لَم يبقَ سِواك إلىٰ الآن ولا أعلم مَتىٰ سيحينُ رحيلَك! وأخشىٰ أن أُخبِرك بخوفي مِن اتيان ذلك اليوم.. أخشىٰ إخبارك وأخشىٰ فقدك كثيرًا يا أخي.
طُرقي غَدت دهليز ضيِّق آخره مسدود، وصِرتُ أمضي حياتي بِخُطًى مُثقلة وقلب قد انطفأ الغد فيه.. فَـلِمَ الحياة إذًا يا سليم أخبرني؟ ما فائدة العيش وقد أصبحت رهينةً في قبضةِ الفراق يَبتر مِن حينٍ لآخر جزءًا مِنِّي، وأنَّ الخوف بات مُحتلًا لي لا سبيل لطرده والتخلُّص مِنه؟
أخبرني إذًا يا سَليم لِمَ اللوم وأنا أُريد أن أغادِرك قبل أن تُغادرني أنت.. أن أترُكَك قبل أن تحكم الأيام بفقدِك كما تفعل دومًا بي؟!.





































