مازالت الدنيا أكبر همنا، وأعظم شغلنا، والكل يسعى مجاهدًا فيها. وقليل من كان سعيه سعيًا محمودًا مباركًا خالصًا لوجه الله تعالى، فكان مسعاه عفيفًا نظيفًا في الخير وإلى الخير، فرضي بقليله واستشعر فيه البركة والرضا راجيًا من الله خير الدنيا ومكتفيًا بالله ليقيه شرورها وخبثها آملًا وطمعًا في الحياة الأبدية ونعيمها في الأخرة . وكثير كثير من صارت له الدنيا بكل ملاذها وزيفها هي مسعاه و أجل رغباته لتصبح هي طريقه ووجهته الأولى . فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا ۚ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)البقرة مازال هذا الانسان بجهله يكرس كل جهوده وطاقته لها، فاستعد بكل ما أوتي من عزم وحِيل ومكر وخبث لينال كل ما تشتهيه نفسه حتى وإن سحق بأقدامه في الطريق رِقاب المستضعفين الآمنين، ولا ضير إن نال أوسمة النبلاء الشرفاء دون استحقاق، هو ذا الخائن لنفسه والذي يعلم جيدًا عن حقيقة سريرته لكنه يأبى الاعتراف، وبكل كِبر وغرور يرفض الانحناء والتذلل لبارئه طالبًا العون والسند على نفسه الأمارة . لَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفۡرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحۡمَدُواْ بِمَا لَمۡ يَفۡعَلُواْ فَلَا تَحۡسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٖ مِّنَ ٱلۡعَذَابِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ﴿١٨٨﴾آل عمران لا تقلق فلقد وعد الله عز وجل سبحانه أمثالك بأن يوفِ لك عملك فيها وأنه لن يبخس حقك قدر سعيك إليها فهو الحق العادل المنصف . مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا وَهُمۡ فِيهَا لَا يُبۡخَسُونَ ﴿١٥﴾هود أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَيۡسَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا ٱلنَّارُۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَٰطِلٞ مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ﴿١٦﴾هود فإنه سبحانه يسر لنا الطريقين وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:10]، ولن يتقدم لنا الله برشوة لكي نسعى تجاههه فهو الغني المغني المعطي الذي لا يضره ولو ضل أهل الأرض جميعًا، فهو القادر أن يستبدلهم بمن يقدروا نعمه ويخشون عقابه، وطريق الحق بيّن، وطريق الشر بيّن وكلنا بين يدي الله وجميعنا زائلون ولن يبقى إلا وجه الله العظيم الكريم .