"له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال " "الرعد آية ١١" ولطالما قرأتٌ هذه الآية آلاف المرات وكلما مرت على نفسي أو على غيري شدائد المِحن، تذكرتها وذكّرت غيري بها، وأقول لي ولهم علينا أن نغير انفسنا لتتغير أحوالنا للأفضل . هكذا دائمًا أكررها بل وجميعنا يفعل ذلك دون أن يعي فهمها حق الفهم، أويٌكرِم استقبالها حق الاستقبال، بل ويٌحسِن العمل بها كيفما يريد الله عز وجل . أما عنها .. وهي التي تعاني الوحدة منذ سنوات مضت، فكانت كثيرة البكاء تشكو اهمال زوجها وأولادها طيلة الوقت، ونسيت أنه لا يجوز أن ننظر فقط للنصف الفارغ من الكوب . فلقد أوهمتها الحياة أن الثرثرة والضجيج وكثرة الأصدقاء وهذا البريق الكاذب المراوغ من زيف المجاملات هو خلاصها ونجاتها من شقاء الوحدة . فكان هلاكها وهوانها على أعتاب تلك الصداقات المخادعة التي بٌنيت على الأطماع والمصالح، ليزداد فوق معاناتها في وحدتها مزيجًا من الهم والحزن والقهر . أما بعد .. عادت مطأطأة الرأس مكسورة الجناح تطالب بعودة وحدتها القديمة فإذا بها ترفضها وتستنكرها وتعصى قبولها بعدما تمردت عليها وكيف تقبلها الأن وهي بصحبة تلك الذكرى المخزية البائسة؟! كان وقتها الكأس مفرغًا تمامًا بعدما اعتاد الجميع غيابها ونسوا ملامح وجهها ودموعها التي شقت وجنتيها من الندم . حتى حنان زوجها ولهفته عليها التي اعتادت عليهما منه لقد اختفى كل ذلك وضاعت المشاعر وسط غيوم الدنيا وغبار أعبائها . وقتها تذكرت الآية الكريمة وقوله تعالى : أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم جلست تبكي عامًا كاملًا دون أن تلجأ لمخلوق سوى الله، تسجد على الأرض له وحده تستغفره وتطلب منه العون والنجاة، تدعوه بحق اسمه الأعظم أن تعود حياتها وأن تسترد وحدتها التي أفتقدت هدوءها وسكينتها، تطلب من الله بدموع عينيها أن تعود لها محبة زوجها، وأن يعود الأمن و الأمان والحب . بكت بحرقة على أبواب الله التي لا تغلق في وجه الكافر المشرك فكيف يغلقها العزيز الكريم في وجه التائب ؟! حاشاه أن يرد سائلًا أبدًا .. حاشاه أن يقصي تائباً أبدًا . فاستمعت إلى صوت زوجها يقول لها بمودة ورحمة وحب: وأنا واللهِ كنت أدعو الله لكِ بالهداية وطلبت منه أن تعودي لي . افتقدتك كثيرًا . ياااالرحمة القدير ويااااه لكرم استجابته ورضاه وياااه للرفعة والعزة عندما ننكسر أمامه وحده . عام تعلمت فيه معنى الآية حق علمها، بسجدة في جوف الليل بين يدي الرحمن تطلب المغفرة، ودمعة صادقة من قلب يخشى عقاب الله، ورجاء وأمل فيه لا ينقطع أبدًا، فكانت الاستجابة من مجيب الدعوات وغافر الزلات ومغير الأحوال والنفوس ومقلب القلوب . ليعيد إليها كيانها وكينونتها وكرامتها التي أٌهدرت عندما لجأت واستعانت بمن سواه من العبيد . إنما آيات القرآن تقرأ بالقلب وليس بالنظر . فالقرآن لغة العقول والنفوس والأفئدة، القرأن سبيل وعلاج وهداية وهدية من الرحمن للبشرية، القرآن يد الله التي تربت على قلوبنا، فهو نور أٌنزِل من نور السماوات والأرض الحق سبحانه وتعالى . الحمد لله على نعمة الإسلام ... والحمد لله الذي أنعم علينا بالقرآن ليكون لنا طريقًا مضيئًا نسير على هداه إلى الأبد .