في لحظةٍ ما… تشعر وكأن الكون يقترب منك بشيء من المكر، يُقرب لك الحقيقة حتى تكاد تلمسها، ثم يسحبها منك قبل أن تلتقط أنفاسك، كأن الحياة تتعمد أن تتركك معلقًا بين رؤيتين: رؤيةٍ تُوجعك، وأخرى لم تتضح بعد.
هناك مسارات تُساق إليها الأرواح لا اختيارًا ولا صدفة؛ بل كأن لها موعدًا مكتوبًا قبل أن نولد.
لسنا ممن يُساقون كقطيع، لكن الحقيقة أن الإنسان حين يفتح عينيه على اتساعهما
يرى ما لم يُصمم قلبه لاحتماله.
فنطلب — في لحظة صدق مع أنفسنا —
أن تُسدل على أبصارنا غشاوة خفيفة، لا تهزمنا… لكنها تخفف وقع الوضوح الزائد.
فأحيانًا، العتمة أرحم من الضوء الذي يكشف كل شيء دفعة واحدة.
نعرف الدائرة…
الدائرة التي تتغذى على خطواتنا، تبتلع محاولاتنا، وتعيدنا دائمًا إلى النقطة نفسها
كأن الزمن يسخر من قدرتنا على المقاومة.
نصفها نحتناه بأيدينا، والنصف الآخر جاءنا كقدرٍ أعمى لا يسأل أحدًا قبل أن يهبط عليه.
ندور… نعم، ندور.
لكننا لا ندور بلا وعي، بل كأننا نحفر بأقدامنا طريقًا لا يريد أن يفتح صدره لنا.
نبحث عن ثغرة، عن كسرة صغيرة في جدار الأيام، عن مقبض خفي يفتح لنا بابًا لم نجرؤ يومًا على طرقه.
ووسط هذا الدوران المُنهك، نفهم شيئًا لم نفهمه من قبل: أن الغمامة ليست سترًا للجبناء؛ بل هي استراحة مُقاتلٍ أنهكه السيف، لكن يده ما زالت قابضة عليه.
هي الحد الفاصل بين الانهيار والوقوف من جديد، بين البكاء والخطوة التالية، بين الهزيمة المؤقتة والانتصار الذي يتأخر ليكون أجمل.
وحين يهدأ الضجيج في داخلنا، يولد شعور صغير، شعور يشبه شرارة خجلة في ظلام كثيف، يخبرنا — دون صوت — أن لكل دائرة بابًا، ولو كان خفيًا مثل نفسٍ يخرج من صدرٍ مكتوم.
وأن الطريق — مهما طال — لا بد أن ينحني يومًا
ليمنحك مخرجًا يليق بقلبك، ويفتح أمامك بداية.
لم يجرؤ الخيال نفسه أن يكتبها بعد…
لكنها قادمة.
وقريبة أكثر مما تظن.





































