هناك لحظات لا يُنقذك فيها سوى الكتابة…
حين تشعر أن الكلمات هي المأوى الأخير، وأن الصمت صار جدارًا يختبئ خلفه الندم.
تكتب لا لتستدر عطفًا، بل لأنك لا تملك طريقة أخرى لتبرّئ صدقك من سوء الفهم،
ولأنك تخشى أن يُذكَرك الغياب بما لم تقله.
لستُ مدّعي الودّ، وإن أحببتُ، أحببتُ بكلي، لا بنصف قلبٍ ولا بوجهين.
يعلم الله أنّني ما اقتربتُ يومًا لمصلحة، ولا صادقتُ لغرضٍ خفيّ، لم أتقن يومًا فنّ النفاق، ولم أجعل من القرب وسيلةً لأي مكسب.
أنا، كما أنا، بسيط حدّ الوضوح، معقّد حدّ الصدق، إذا أحببتُ، منحتُ، وإذا ابتعدتُ، نزفتُ.
لستُ ملاكًا، ولا أزعم أنني أملك من الفضيلة ما يجعلني فوق البشر.
أُخطئ، وأتعثر، وأظنّ أني أُصلح بينما أجرح دون قصد، لكنني على يقين أن الاعتراف بالخطأ لا يُنقص من قيمة أحد، بل يُعيد الإنسان إلى صوته الحقيقي بعد أن أضاعه التبرير.
إن كنتُ قد أخطأتُ في حقك، فوالله ما كان ذلك عن قصدٍ ولا رغبةٍ في الأذى.
ربما خانني التوقيت، وربما ظننتُ أن تأجيل الحقيقة سيحمي ما بيننا من الانكسار، لكنّ التأجيل في المشاعر كالنزيف البطيء… لا يقتل سريعًا، لكنه يُنهك حتى النهاية.
لم أكذب، ولم أخدع، بل ظننتُ أني أُخفي الألم لأحافظ عليك، حتى أدركتُ أن الحب لا يعيش في الظلّ، وأن الصمت قد يكون أقسى من الكلام.
لم أطلب منك أن تتجاوز سريعًا، ولا أرجوك أن تُغفر لي ما فعلت، لكنّي أردت أن تعرف أنني نادم، لا متبرّر…
صادق، لا مُمثل…
وموجوع لأن ما حاولتُ حمايته سقط مني دون أن أشعر.
قد تسوقني عاطفتي إلى ما لا يُغتفر،
لكنّها ذاتها العاطفة التي تجعلني وفيًّا حدّ الخطأ، لم أخنك يومًا، ولم أقترب منك لغرض، فأنا لا أُجيد ارتداء الأقنعة، إما أحب، أو لا أحب، ولا أملك رماديًّا بينهما، ولا أملك في قلّبي ضغينة لأحد.
أنا لستُ ماهرًا في التلاعب بالمشاعر،
ولا أُحسن التفاوض مع الوجع.
أحبّ بصدقٍ مُرهق، وأعتذر بصمتٍ خائف،
وأُبقي من أحببت في قلبي حتى لو غاب عن حياتي.
هذه كلماتي بين يديك…
اقرأني إن أردت أن تعرف من أكون، وإن مررتَ عليها مرور الغريب، فلا بأس، فقد كتبتها لا لأقنعك؛ بل لأتخلّص من ثِقلٍ في صدري.
اعذرني إن كسرتُ فيك شيئًا دون قصد، فأنا أيضًا انكسر فيّ شيء يوم ابتعدت.
ومع ذلك، أُؤمن أنّ الصدق، مهما جاء متأخرًا، يبقى أجمل ما نمنحه لمن أحببنا… بعد الفقد.
ربما لن تصل هذه السطور إليك، وربما تصل فتتجاهلها كما تجاهلتَ رسائل الأمس، لكنّها تظلّ رسالتي إليك، رسالة لم أرسلها لأراك،
بل لأتذكر أنني كنتُ — يومًا — إنسانًا أحبَّ بصدقٍ، وأخطأ بصدقٍ، واعتذر بصدقٍ… وما زال ينتظر الغفران بصمت.





































