في الحياة لحظات لا نعرف إن كانت بداية شيءٍ جديد أم نهاية شيءٍ نحاول التمسّك به.
هناك أبواب تُفتح دون أن نفهم السبب، وأبواب تُغلق دون أن نعرف من أغلقها أولًا…
صوتٌ خافت في الداخل يهمس: لماذا يرحل بعضهم وكأنهم لم يأتوا؟
ولا تجيبك إلا التجارب، تلك التي لا تشرح، بل تترك أثرها في الصدر ليُكمل الكلام.
ليس كل خروجٍ فراقًا، وليس كل فراقٍ ظلمًا، وليس كل الظلم يستحق بابًا جديدًا.
نحن لا نخسر الناس مرة واحدة، بل نخسرهم بالتدريج… كلمة تُقال بلا اهتمام، موقف يُترك دون تفسير، وثقلٌ خفيف في القلب لا نعرف مصدره، لكنه يخبرنا أن شيئًا لا يعود كما كان.
الفرص تُمنح للقلوب التي تتعثر، لا للقلوب التي تتعمّد.
فالذي رحل صدفةً يمكن استعادته، أمّا الذي رحل بوعيٍ كامل، وبخطوات محسوبة، فهو لا يعود… وإن عاد تجده غريبًا، كأنه يحمل وجهًا يشبهه دون أن يكون هو.
في حياتنا أصناف متباينة من الراحلين:
ذلك الذي لم يفهم قيمتك بعد، وهذا قد يستحق فرصة واحدة، لا أكثر…
وذلك الذي رأى نفسه أكبر من بقائك إلى جواره، وهذا لا يستحق حتى الالتفات…
وذلك الذي خرج وهو يُخفي وجعه، أُجبر على الرحيل لا لأنه أراد، بل لأن الحياة شدّته إلى جهة أخرى؛ هؤلاء إن عادوا، عاد معهم شيء يشبه الفجر.
لكن الأصعب… من خرج بأفعاله قبل أن يغادر بصمته.
ذلك الذي لم يرحل عن المكان بل رحل عن الاحترام.
تركك أمام مرآتك تتساءل:
هل الرحيل كان هروبه؟
أم كان خلاصك؟
هل يستحق هذا فرصة ثانية؟
الجواب لا يحتاج بلاغة؛ لأن الجرح الذي تعلّمه الروح لا يبرأ بكلمة، ولا يتراجع بعودة مترددة.
الفرص الثانية ليست أبوابًا مفتوحة للجميع.
الفرص الثانية امتحان… من نجح في الأولى لن يحتاج إليها، ومن فشل عمدًا لن يستحقها.
الفرص الثانية جرأة، لكنها لا تُمنح لمن اعتاد أن يُسقطك، بل لمن حاول أن يبقى وسقط.
ومن يعرف كيف يحبك، لن يجعلك تسأل نفسك يومًا:
“هل يستحق فرصة أخرى؟”
لأن من يستحقك، لا يترك مساحةً للشك، ولا ينصرف دون أن يترك نورًا خلفه.
ومع ذلك، نحن بشر… نلين، نضعف، نُعيد التفكير.
نرى وجوهًا تعود فنرتبك، ونرى وجوهًا تختفي فنرتاح.
بعض العلاقات تستحق أن يُقاتَل من أجلها مرة أخرى… لأن أرواحًا بعينها لا تُعوّض.
وبعض العلاقات لا تصلح حتى لتُفتح صفحتها، لأن الدرس فيها أهم من العودة.
وربما… هذا هو السؤال الذي نحاول الهروب منه: هل كان الراحل حقًا رحيلًا، أم كان مجرد كشفٍ لما لم نكن نراه؟.
تعامل مع العودة كما تتعامل مع النار:
إن اقتربت منها بحكمة، منحتك دفئًا…
وإن اقتربت منها بسذاجة، أحرقتك بالكامل.
لا تمنح فرصة ثانية لمن جرب أن يكسر قلبك، لأنه سيجرب ثانية.
ولا تحرم الفرصة عمّن حاول أن يحبك بصدق لكنه أخطأ، لأن الصدق لا يتكرر.
وتذكّر دائمًا:
الله لا يبعد عنك أحدًا إلا لحكمة… ولا يعيد إليك أحدًا إلا لسبب.
فاسأل نفسك قبل أن تفتح الباب:
هل عودته نعمة… أم ابتلاء؟
لأن الخسارة الحقيقية ليست في رحيل أحدهم عن حياتك،
بل في أن تسمح له بالرحيل ثم تعيده ليُكمل ما بدأه.





































