ما بيني وبين الله… مسافة لا يقيسها بشر، ولا يطلّ عليها أحد. هي سري الذي أحيا به، وحديثي الصامت في ليالي الانكسار، ودعائي الذي لم يسمعه أحد غيره.
أنا بشر… أخطئ حين أظن أني أملك نفسي، وأعود لأتعلم أن لله في كل ضعف حكمة، وفي كل تأخير رحمة، وفي كل خذلان لطفًا خفيًّا لا يُدرك إلا بعد حين.
فدعوا ما بيني وبين الله، بيني وبينه.
هو الأعلم بما تُخفي صدري، بما مرّ على قلبي من وجعٍ لم يُروَ، وبما حملت من نيةٍ حسنةٍ ضلّت الطريق.
قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾، فكيف يُحاكم بشرٌ قلبًا لا يملكون مفاتيحه؟
لا تفتشوا في قلوب الناس، فلكلٍّ منا بابٌ بينه وبين ربه، يُغلقه الناس ويفتحه الله.
قد تظن أحدهم بعيدًا وهو أقرب من أنفاسه إلى الرحمة، وقد تراه ساكتًا وفي داخله حوار لا ينقطع مع خالقه.
فكم من عاصٍ بكى فغُفر له، وكم من صالحٍ اغترّ فزلّ، وكم من قلبٍ جريحٍ وجد في الله شفاءه دون أن يشعر به أحد.
ولا تجعلوني قدوة مطلقة، فأنا لست معصومًا من الزلل، ولا منزّهًا عن النقص.
إن وجدت فيّ خيرًا فخذوه، فهو من فضل الله لا من قوتي، وإن رأيتم ضعفًا فادعوا لي، فكلنا نسير على أرضٍ من التجربة والخطأ.
قال رسول الله ﷺ: “كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاء، وخيرُ الخطَّائينَ التوابون”، فكيف يُرفع بشر فوق طبيعة خلقه؟
إن أردت أن تقتدي، فاقتدِ بخير الخلق ﷺ، من قال فيه ربه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.
هو النور الذي أضاء الدروب، والرحمة التي سكنت القلوب، والقدوة التي لا تُخطئ الطريق.
علّمنا أن القوة ليست في الغضب، بل في العفو، وأن الرفق ما دخل قلبًا إلا زانه، وأن النية الخالصة ترفع العمل البسيط إلى الجنة.
أما نحن، فما نحن إلا محاولات متكررة…
نقوم حين نسقط، ونبتسم رغم التعب، ونصلي بقلوبٍ مثقلةٍ بالذنوب علّها تُقبل بدمعةٍ صادقة.
نحن كالأشجار في العاصفة، قد ننحني لكننا لا ننكسر، لأن جذورنا مغروسة في الإيمان.
فرفقًا بالبشر، لا تزنوا أرواحهم بعيونكم، ولا تحكموا على قلوبهم بما تسمعون.
كل إنسانٍ يحمل في صدره معركةً لا يراها أحد، ودعاءً لا يُفصح عنه، ووجعًا لا يُكتب.
دعوا الناس لله، فهو أعلم بهم منكم، وأرحم بهم من أنفسهم.
وما بيني وبين الله، هو ما يجعلني أُكمل، هو ستره الذي يغطيني، ورحمته التي تنتشلني حين أعجز، ونوره الذي يهديني كلما تاهت خطوتي.
فما دمتُ أتنفس في ظل عفوه، فلن أخشى من حكم بشر، لأن الله وحده يعلم أني أحاول، أحاول أن أكون عبدًا صالحًا… ولو تعثّرت.





































