صديقي العزيز،
كلما أمسكت القلم لأكتب إليك، شعرت أن الحروف تخجل من أن تقف بيننا. كيف تُترجم اللغة شعورًا يفيض في القلب منذ عرفتك؟
كتابي لك ليس ترفًا في التعبير، بل حاجة صادقة لأن أقول ما لا يُقال عادة، لأن الصداقة التي جمعتنا ليست عابرة، بل من تلك التي تُختبر في العثرات، وتبقى رغم التعب والخذلان.
أكتب لك وأنا على يقينٍ بأنني لست الأفضل، ولم أزعم يوماً أنني كذلك.
أنا فقط إنسان يسير بين الناس محمّلًا بما يكفي من الشقاء، أحمل في صدري قلبًا يعرف قيمة الوفاء، ويقدّس الصدق حين يلمحه في عيون من يحب.
ولذا، لن أضع نفسي يومًا في مقارنةٍ مع أحد، لا لأنني أرى نفسي أعلى، بل لأنني أعلم أن النية الخالصة لا تُقاس، وأن ما أحمله لك لا يُوازن بشيءٍ في هذا العالم.
أعدك أنني لن أتخلى عنك مهما ضاقت الأيام، وأن حبي لك لن يكون عابرًا أو مشروطًا، بل خالصًا، يشبه الدعاء في لحظة سجودٍ لا يسمعها أحد سواي وربّي.
سأكون لك وطنًا حين يضيق بك المكان، وسندًا حين ينهزم منك الصبر، وسرًّا لا يبوح مهما طال الصمت. وإن شئت، سأكون كل شيءٍ لك، أما إن لم ترغب، فسأبقى مجرّد رد فعلٍ صادقٍ لكل ما تمنحه لي.
لكن لتعلم قبل كل شيء أني بشر، أضعف أحيانًا، وأخطئ كثيرًا، وفيّ من العيوب ما ستره الله عنكم، وما أخشاه أن يُظهِره يومًا سوء فهمٍ أو لحظة انفعال.
لا تراهن على كمالي، فالرهان على بشرٍ خاسرٌ دائمًا.
أنا الآن النسخة الأسوأ مني، لذلك أطلب منك ألا تضعني في مقارنة، ولا تنتظر مني المثالية في كل لحظة.
لكن رغم ذلك، أحاول ما استطعت أن أتقي الله في معاملاتي، وأن أبقى نقيّ النية مهما تعثّرت خطواتي.
وهذا لا يعني أنني مثالي، بل يعني أنني أحاول أن أكون كما يجب، حتى حين لا أقدر.
اليوم، لست ذلك الشخص القوي كما عهدتني؛ قد ترى مني ما لا يرضينا جميعًا، لا لأنني تغيرت، بل لأن التعب أخذ منّي ما لا يُقال.
لم تعد لديّ الطاقة التي كانت تُمسك بك كما كنتُ دائمًا أفعل، ولا القدرة على مجادلة الدنيا كي تبقى كما هي.
أنا لا أريد الخسارة، ولا خسارتك تحديدًا، لكن ربما يحدث ما لا نريده نتيجة ردّ فعلٍ مني هو في الأصل امتدادٌ لوجعٍ منك.
أصبحت غير قادر كما كنت، وهذا ليس صوابًا، ولا مما تعوّدت عليه مني،
وليس هذا من باب العتاب أو التهديد، بل من باب الحب، لأنني لا أريد أن أخسرك.
أقولها بصدقٍ لا يعرف الزيف: كل ما بي الآن هو تعب لا أكثر، تعبٌ من محاولة البقاء كما كنت، وأنا أعلم أن قلبي ما زال يحبك كما لم يفعل من قبل.
فلا تحاسبني على وجعي، ولا تقترب مني في لحظة كسري كأنني صخرة، فأنا هشٌّ أكثر مما تظن،
لكن رغم كل هذا، ما زلت أحملك في قلبي مكانًا لا ينافسه أحد، مكانًا يشبه الدعاء الصامت الذي لا ينقطع.
وإن رأيت مني ما يسوؤك، فاعلم أن انعكاسه كان منك، فالقلب مرآة لا تعكس إلا ما يُرى فيه.
وإن منحتني جميلك، فسترى في المقابل أجمل مما توقعت، لا من باب الردّ، بل لأن الخير يُوقظ فيّ أجمل ما فيّ.
لا أقول هذا تهديدًا ولا مباهاة، بل قولًا يخرج من قلبٍ لم يتعلم المراوغة.
ما زلت أريدك في حياتي كما أنت، لا أكثر ولا أقل. أريدك رفيقًا صادقًا في عالمٍ يتغيّر كل لحظة، أريد أن أراك كما عرفتك أول مرة: بسيطًا، نقيًّا، يشبه المطر حين يغسل وجه الأرض في صمت.
واعلم، يا صديقي، أنني حين اخترتك، لم أختر راحة، بل اخترت صدقًا.
وإن ضاق الطريق، فاعلم أنني لا أزال أسير إلى جانبك، ولو بثقل الأيام على كتفي. لأن بعض العلاقات لا تحتاج إلى وعودٍ كبرى، يكفيها أن يبقى القلب على العهد، حتى وإن تبدّلت الملامح والطرق.
أما الختام، فهو امتنانٌ خالصٌ منك وإليك.
شكرًا لأنك بقيت، رغم كل ما بي من فوضى وتناقضات.
شكرًا لأنك لم تهرب حين تعبت، ولم تغب حين صمتُّ.
وجودك في حياتي لم يكن صدفةً عابرة، بل رسالة من الله بأن في هذا العالم ما زال هناك من يُشبه الطمأنينة، من يُعيد للروح اتزانها، وللقلب سببه في النبض.
فابقَ كما أنت، يا صديقي…
فالوجود من دونك ناقص، والطمأنينة من دونك غريبة، والعمر من غيرك يفتقد شيئًا يشبه المعنى.
ففي حضورك يهدأ كل ما فيّ، وكأن الله اعتذر لي بك،





































