هناك أمرٌ خفيّ يحدث عندما يشعر أحدهم أنه “مضمون” في حياتك.
لا يراه الناس، لكنه يتسلل ببطء، مثل غبارٍ لا ننتبه إليه إلا حين تتغيّر ملامح المكان.
يبدأ الأمر بكلمة مؤجلة، ثم اهتمام مؤجل، ثم شعور يقول في داخله:
لن تذهب… أنت لا تملك القدرة على الرحيل.
هنا… تبدأ العلاقات في الانكسار، دون أن يصدر صوت.
الضمان في العلاقات ليس علامةَ أمان…
إنه بداية الانطفاء.
فالإنسان حين يظن أنك باقٍ مهما حدث، يتوقف عن الحرص… ثم يتوقف عن الفهم… ثم يتوقف عن التقدير.
ويتحول وجودك من نعمة تُحمد… إلى عادة لا تُرى.
في العلاقات التي يسكنها الضمان، لا أحد يسمع الآخر.
فالإهمال يصبح شيئًا عاديًا، والخطأ يصبح حقًا مكتسبًا، والغياب يصبح شيئًا “مفهومًا”…
لأن “أنت مش هتروح”.
وكأن قلبك ملكٌ مُطلق للطرف الآخر، لا يشعر بحاجةٍ لحمايته أو الاحتفاظ به.
لكن الحقيقة؟
القلب الذي لا يُخاف عليه… يموت ببطء.
والروح التي لا تُطمأَن… تُطفئ نورها وحدها.
الضمان يقتل الجمال الذي بُني عليه الحب،
ويحوّل العلاقة من مساحة دافئة يتنفس فيها الطرفان،
إلى مساحة مختنقة، فيها طرف يتصرف وكأنه لا يُستبدَل،
وطرف آخر يصمت لأنه تعب من التذكير بقيمته.
أخطر ما في الضمان أنه يُحوّل الإنسان إلى شيءٍ غير مرئي.
يستيقظ أحدهم يومًا ليجد أنه أصبح ظلًا… موجودًا، لكنه بلا أثر.
يحب، لكنه بلا صوت.
يشتاق، لكن لا أحد يلاحظ.
حتى الشكوى تتحوّل إلى تهمة:
“أنت حساس… أنت بتكبر الأمور.”
وهكذا…
بدل أن تكون العلاقة مأوى، تصبح اختبارًا للصبر، وللقدرة على التحمل، وللسكوت الذي يلتهم ما تبقّى من الشعور.
والأغرب… أن الطرف الذي يظن نفسه مضمونًا، لا ينتبه لخطورة ما يفعل.
لا يرى أنك تفلت من يده يومًا بعد يوم،
وأنك حين تنطفئ، تنطفئ للأبد.
وأن العلاقات لا تُنهى بخلافٍ كبير، بل تُنهى ببطء… كأنها تُسحب من جذورها.
ثم تأتي اللحظة التي تنهض فيها… بهدوءٍ لا يشبه غضبك القديم.
لحظة لا تهدد فيها بالرحيل،
ولا تنتظر فيها أن يتغير أحد.
بل تترك المكان بصمتٍ كامل…
وتفاجِئ الذي كان يظن نفسه ثابتًا أنك كنت تستطيع الخروج دائمًا،
لكن احترامك لما بينكما هو الذي كان يُبقيك.
لا تمنح أحدًا شعور “الضمان” مهما كان قريبًا.
فمن يأمن خسارتك… سيهملك بلا قصد.
واجعل ميزانك بسيطًا:
من يحافظ عليك وكأنك قد ترحل في أي لحظة…
هو من يستحق أن تبقى معه العمر كلّه.
ومن يتصرف وكأنك لا ترحل…
سيوقظه رحيلك، لا كلماتك.
فالعلاقات تُبنى بالخوف الجميل من الفقد،
لا بالاطمئنان الزائف بأن القلب الآخر أسير…
لأن ما لا نخاف خسارته… نخسره فعلًا في النهاية.





































