ذهبتْ،
كما يذهبُ الضوءُ من شرفةٍ لا تسألهُ عن موعدٍ للغيابْ.
تركتْ ظلّها في الزوايا،
وفي فنجانِ القهوةِ الباردةِ،
وفي ضحكةِ الطفلِ حين تأخّر في النومِ عن حلمهِ المستطابْ.
ذهبتْ،
لكنها حين أمشي تُشاغبُ خطوي،
تبعثرُ خارطةَ الوقتِ بين يديّ،
وتوقظُ فيّ ارتباكَ الندى حين يلمسُ خدَّ السحابْ.
ذهبتْ،
لكنني كلّما قلتُ: نسيتُ،
أعودُ إلى اسمِها كأنّه صلاة،
أُردّدُهُ في سرّي،
فأبكي،
ويصيرُ البُكاءُ جوابْ.
ذهبتْ،
غير أني إذا ما جلستُ على مقعدي في المساءِ،
سمعتُ خُطاها تمرُّ على سلّمي،
وأنادي عليها كأني نسيتُ فراقَ الأحبّةِ لا يُجابْ.
ذهبتْ،
لكنها لم تزل في فؤادي،
كما تسكنُ النارُ أعوادَها في الرمادْ،
كما تسكنُ الريحُ قافيةَ القصيدة،
وتأبى الرحيلَ عن الكلماتْ.
ذهبتْ،
لكنها حين أكتب،
تجيءُ،
وتجلسُ بين السطورِ،
وتنثرُ عطْرَ الخُزامى على يديَّ،
وتصمتْ.
فأعرفُ أن الحياةَ تمرُّ،
ولكنّها… في قلبي،
كأنها لم تَذهبْ أبدًا.