في حياتي السابقة كنت لؤلؤة مخبأة في قعر محارة يلفني لحمها الطري وتحيط بي صدفتها القاسية فلا أسمع سوى صوت ارتطام شيء هائل بجدارن المحارة صوت يرعد قلبي، ويقض مضجع طمانينتي.
أتململ في مكاني، يأتيني الصوت هادراً جباراً، هجست أنه صوت ارتطام شيء عظيم بجدران محارتي، وتملكني شعور عارم بالرغبة في رؤية هذا الشيء العملاق، سحرني هذا الجبار الذي ينقض على جدراني فيطرقها بعنف وإلحاح. عشقته وآمنت به، صوته بات يلازمني، ويلقي في روعي أن اخرجي هناك عالم خلف هذا اللحم الذي يتكدس حولك و يكتم أنفاسك ..
وتحت وطأة ضرباته الجبارة ارتطمت صدفتي بالصخر، فانشق شق صغير في الجدار المصمت حولي ..شق صغير يكاد لايرى، لكنه أخذ يتسع حتى تحطم وانهار فبدا حولي خضم من ماء، صعقت لهول مايحدث حولي لكن في نفس تلك اللحظة المبهرة أحاطت بي خيوط متشابكة انتشلتني مع ما تبقى من المحارة المحطمة وأخرجتني من عالم العماء المائي إلى عالم زاخر بالنور لفحتي حرارة جففت ما علق بي من ماء و بددت ما حولي من لحم فبدا سطحي لامعاً تحت ضوء ساطع يغمرني .
التقطتني أصابع طويلة مدربة مسحتني و وضعتني أمام عينها وحينها فقط رأيت وجهه؛ أسمر بعينين لامعتين حادتين كعيني صقر، حينها شممت شهوة القمم،
كان هو الصياد الذي لفّ كفّه حولي فشعرت بانتماء لشيء ما، دسّني في جيبه قميصه فالتصقت بي رائحة حامضة مختلطة بملح البحر وفوح الماء، رائحة ظلت عالقة في ثنايا قلبي لاتغادره، رائحة موطني الأول.
بعد ذلك وضعني في ثنايا قلم طويل يرافقه صرير لرأس مدبب كإبرة، ونقشني على صفحات صقيلة .
نقوش تترى، تتقافز، تتثاءب، تحلق، ثم تدنو من بحر الورقة الأبيض، تصير فراشات بأجنحة و أزهار بألوان، ونساء كثيفات الشعر، ورجال بدروع فرسان وأحصنة شقراء، كل الحكايات تتفتق من قلمه وتكتبني مرة بعد مرة .
وها أنا الآن أتمدد في رأسه شفافة مثل جناح ملاك، ساطعة مثل شمس الشواطئ وصاخبة مثل صوت البحر،
وهو يغط في سباته الجميل بعد ان أنهى نصه العظيم، ورغم أن ظلال امرأة تتمطى بين سطوره، تضفر له عقداً من لآلئ مثيرة؛ لكنني وحدي أختبئ في جيب قلبه
أعوم برائحة الملح الفائحة من عرقه فتعود بي إلى موطني القديم، حورية في عمق البحر الأزلي .