جمع شعرها القصير بقبضة يده ، شده ودفع وجهها في حوض الاستحمام...
وأنفاسه تفح في أذنها بغل:
- كلما اقتربت منك تتقأين مثل قطة جرباء.
رفع وجهها بعد أن كادت أنفاسها تتقطع، بقايا ماء تقطر من ذقنها وخصلات شعرها المتناثرة على وجهها الشاحب، وشفتيها المزرقتين، حاولت منع ارتجافها، وهمست بصوت مخنوق:
- أحفادك في الغرفة المجاورة سيسمعون صوتك ويصحون.
- ثلاثون عاما ولم أهنأ مرة واحدة صرت عجوزا شمطاء ولم تليني لي ولو لمرة، أيتها الف...
- أولادك، وأحفادك، سيسمعون صوتك.
أرخى قبضته وأفلت شعرها.
جلس على طرف السرير وجلست قبالته، تنهد ونظر إليها بحزن كانت المرة الأولى التي ينظر إليها بتلك الطريقة منذ زواجهما.
لمست النظرة قلبها وللمرة الأولى أيضا التقطت يده وحضنتها بين راحتيها.
همست بهدوء:
حين كنت صغيرة قصت جدتي ضفيرتي الطويلة، وقالت لي: " لاتكوني ضعيفة وساذجة"
وسمحت لي أن ألعب مع صبيان الحي كأني واحدة منهم، كنت أتفوق عليهم خصوصا في مضايقة الفتيات الناعمات، حين جئت لتتزوجني انهد ذلك العالم فوق رأسي.
كنت صغيرة وكنت كبيرا جدا، وقاسيا جدا.
أتذكر كيف كانت ليلتنا الأولى، أنا لا أريد أن أذكر، أتذكر كيف حملت بكل ولد من أولادك الثلاثة، أتذكر كيف اضطر الأطباء لاستئصال الرحم بعد ولادتي لعبد المجيد أصغر الأولاد بسبب ضربك وعنفك.
كل ذلك كان يمكن أن يتغير لو نظرت لي هذه النظرة فقط، رغم ذلك سأقول لك أنني أحبك وأحب أولادي وأحفادي.
نظر إليها مبهوتا:
- أيتها الغبية! ثلاثون عاما كنت أنتظر هذه الكلمة، كنت تفجرين غضبي كل مرة تكونين فيها مثل صخرة قاسية.
مسح شعرها بأنامله وتابع:
لاتقصي شعرك بعد اليوم.
هزت رأسها
- والآن دعني أنام قليلا فبعد قلبل ستصحو ليلى حفيدتك الشقية وستحضر لتندس في حضني كالمعتاد.
وقبل أن تتم كلامها كانت طرقات خفيفة على الباب لتطل بعدها عينا ليلى اللامعتان وهي تبتسم وتهمس بكسل:
- صباح الخير جدو صباح الخير تيتا
وتسرع لتأخذ مكانها في حضن الجدة
تأملهما طويلا، ثم غادر الغرفة بهدوء
أجلست الجدة ليلى في حجرها وأخذت تضفر لها شعرها وتدندن أغنية قديمة عن طفلة تلعب على ضفاف النهر وتطير حولها طيور وأوراق أشجار وفراشات ملونة وعن سهل، وطريق نحل.
بعد أن انتهت قبلت جديلتها وقالت:
- لاتقصي شعرك أبدا.