ثمة شيء يربطني بيدها اليسرى، ريما دهشتي بأصابعها الطويلة الناعمة، أو ببياضها، وأظافرها المقصوصة بعناية، وربما مهاراتها الفائقة التي تؤديها بتلك اليد، تعمل بها كل شيء تمسك المقص بمهارة، تقص الثياب ثم تخيطها، تحضر الطعام تمسك السكين، تضع طاولة التقطيع على الجهة المناسبة ليدها، رتبت كل شيء في مطبخها البسيط لتناسب عملها بيسراها، أراقبها وهي تروح وتجيء وأنتظر تلك اللحظة المذهلة التي ترفع يدها لتعيد خصلة الشعر التي تمردت ونزلت على خدها، تضعها وراء أذنها بسرعة وخفة وكم يكون الأمر مثيرا إذا حدث ولمست يدها شحمة أذنها حيث أقبع مبهورا مأخوذا بلمستها، ولايضاهي هذه اللحظة عندي سوى لمستها حين تضع قطرات من العطر خلف أذنها وتمرر يدها بحنان على جسدي الذهبي فتستطيل المتعة وتتفتح في ذراتي كلها.
تجلس مساء على كرسيها المصنوع من القش تدوزن عودها ، ثم تبدأ بدندنة بعض الأغاني تطيل صوتها وتمطه فترفرف حولي فراشات من اللهفة والارتواء، ثم يصمت كل شيء عندما يحضر زوجها، تهتز أعضاؤها بعنف ويعلو صدرها ويهبط بشكل متسارع، لايعلو في البيت سوى صوت تنفسه وهو يغير مكان الأشياء ويعيدها لتناسب استخدام يده اليمنى، يبربر بكلمات غير مفهومة، ويصفق الأشياء ببعضها، وعندما تهدأ عاصفة غضبه المكبوت، يحمل ملاءته وينام على أريكة الصالون، بينما تتكور هي على سريرها وتنام وهي تضع يدها اليسرى تحت خدها فأبقى طوال الليل في حضن راحتها أو أصابعها، أي جنة أنا فيها، لايخرجني منها سوى سيل الدمع المالح الذي يغرقني أنا والمخدة.
أذكر أول مرة وضعني فيها والدها في أذنها كان ذلك ليلة زفافها، أمسك بي بلطف، ثم أدخلني في ثقب أذنها، لمستني بيدها اليسرى لأول مرة فاختلف كل شيء في العالم حولي.
عندما ولدت طفلتها ليلى ضمتها إلى صدرها ثم رفعتها لتلامسني كانت رائحة الطفلة تفوح حولي كأن عطرها وعطر أمها قد امتزجا فتكون عبق فريد لايعرفه أحد سواي.
عندما كبرت ليلى قليلا صار لعبها الدائم بشحمة أذن أمها ترفعها وتخفضها تمطها فأقترب من حتى ألتصق بالعنق المرمري فأحلق في عالم من العطر الفاغم.
عندما دخلت ليلى الروضة صار لا يروق لها إلا أن تهمس لأمها في أذنها اليسرى حيث أسمع زقزقاتها وأعرف كل تلك الأسرار الصغيرة المثيرة، وعندما بدأ الأب يلاحظ أن ليلى مثل والدتها تستعمل يدها اليسرى صار دائم الغضب، وخصوصا عندما تمسك ليلى بالعود وتدندن بصوت يشبه كثيرا صوت أمها.
في هذا الصباح كانت تسابق الوقت عليها أن تكون في مدرسة ليلى في الوقت المناسب للانصراف، كانت تقطع الشارع مسرعة، وهي تضع الهاتف على أذنها ملتصقا بي، أستطيع أن أسمع صوته يهدر في الجانب الآخر وبقدر ما كان صوتها يسحرني، كان صوته يثير خوفي.
أسمعه يكيل لها الشتائم، وهو يحذرها من المضي في قضية الطلاق التي رفعتها ضده ..
صوت سيارة مسرعة تتوقف فجأة... الهاتف ملقى إلى جوارها، وخيط من الدم يسيل من أذنها على جسدي.