ليس كل ما يُهدى يُراد، ولا كل ما يُقال يُقصد.
هنالك في عمق النفس ميزانٌ لا يُرى، لا يقيس بالكلمات ولا بالأفعال، بل بشيءٍ يشبه البصيرة… ذاك الذي يجعلنا نرتاب من كل ما يُلقى علينا على عجل، حتى وإن بدا مغريًا.
إنني لا أطمئن إلى ما يجيء كنسمةٍ مُصطنعة، لا تعبق برائحة الطريق، ولا تحمل أثر السير الطويل.
لا الطعام السريع يُشبع روحي، ولا العواطف المنمّقة تُقنع قلبي، ولا الكلمات التي تُزهِر فجأةً دون جذور تلامسني.
ففي السرعة قلقٌ يُشبه الإفلات، وفي الاندفاع غالبًا نقصٌ يتخفّى في هيئة شغف، وفي التهذيب الزائد ذكاءٌ اجتماعيٌ قد لا يحمل إلا القشور.
ما يأتي بلا مكابدة، بلا تخمرٍ في خفاء القلب، غالبًا ما يُغادر بلا أثر.
وما يُمنَح بلا طلب، بلا انتظار، بلا سؤال… قد يكون موجهًا لفراغٍ في الآخر، لا لحقيقتي أنا.
أنا أميل للأشياء التي تأتي ببطء... كمن ينتظر نُضج الفكرة، أو اكتمال القصيدة، أو نضج التمرة تحت شمسٍ تعرف تمامًا كيف تنضج الأشياء.
أُصدّق الالتفاتة التي تأخرت لأنها كانت تفكر، والكلمة التي تعثّرت لأنها كانت تبحث عن صدقها، واليد التي لم تُمدّ سريعًا، لأنها كانت تتحسس موضع القلب.
فليأتِ كل شيء في وقته، بعد أن ينجو من التسرّع، ويبرأ من الحاجة، ويزكُو بالصمت.
فأنا لا أُريد كثيرًا... فقط أبحث عن الشيء الذي إذا وصل، لا يُغادر، وإن قال، لا يُنسى، وإن منح، لا يُرتبك.