ضُرِب بيني وبينه سور،
ليس من حجارةٍ أو طين، بل من قدرٍ جفَّ فيه الحنين.
باطنه يواجهني، فيه ظلّ الرحمة، رطبُ الشوق، وعبقُ الأُنس القديم.
وظهره الذي ولاه إليّ، قد سُقِيَ من مرارة الهجر، واشتدَّ فيه صقيع الغياب.
كأنّه أقام بيننا برزخًا من ودٍّ منسي،
يراني ولا يقترب،
يسمع صدى نبضي ولا يلتفت،
كأنّني رجعُ صوتٍ سكن ماضِيَه، ولم يعُد.
كان إذا حضر، أزهرت أيامي،
واليوم... يقف خلف السور،
بعينٍ فيها دفءٌ لا يُطال،
وبصدرٍ أغلق بابه، ثم نسي أن يكون رجلًا،
نسي أن يكون مسؤولًا،
نسي أن يقابل قلبها بالنضج، ويواجه تحدّيها بعنفوان.
كأنّني صرت الرحمة التي لا يُراد لها أن تُمنَح،
والحب الذي لا يُؤذَن له أن يُقبَل.
كلما اقتربت، تراجع.
وكلما سألته الحنين،
أجابني الصمت، بصوتٍ أشدّ من الضوضاء.
هو الرحمة التي اختارت أن تُعذّبني،
والقرب الذي اكتفى بأن يكون جحيمًا مؤجَّلاً.