أحيانًا، لا ينكسر القلب فجأة،
بل يتشقق بصمت، كما تتصدع جدران بيتٍ قديم من أثر الرياح.
هكذا هو الكِبر المجروح... كبرياء لا يُعلَن، لا يصرخ، لا يتفاخر.
يتخفّى خلف صمتٍ رزين، وكأنه لا يُمسّ،
لكنه في الحقيقة هشّ، يتكسّر بصوتٍ لا يسمعه أحد،
كزجاجٍ نقي سقط في الماء فلم يُحدث صوتًا، لكنه لم يعد صالحًا كما كان.
الكِبر المجروح ليس غرورًا، بل قلبٌ تأذّى مرارًا،
فارتدى قناع القوة كي لا يظهر ضعفه.
هو ذلك الشعور بأنك تستحق التقدير، لكنك تُقابل بالتجاهل.
أن تعطي بلا حساب وتُترك بلا مبرر.
هو عندما تتراجع خطوةً حفاظًا على كرامتك، رغم أن قلبك يتوق للاندفاع.
هذا النوع من الكبرياء لا يصرخ، لكنه يُدمي الداخل.
يُعلّمنا أن نختار الصمت بدلًا من استعطاف الاهتمام،
وأن نبتسم رغم الانكسار،
لأن الكرامة – في كثير من الأحيان – أغلى من الشعور بالراحة.
هو كبرياء لم يُخلق ليُهين أحدًا، بل ليحفظ صاحبه من مزيدٍ من الانكسارات.
لكن من المهم أن نُفرّق:
فليست كل لامبالاة دليل قوة أو وعي.
أحيانًا تكون ستارًا هشًّا يختبئ خلفه الضعف والعجز.
فالبعض يدّعي الترفّع وهو في الحقيقة عاجز عن المواجهة،
والبعض يُظهر اللامبالاة ليُخفي جهله أو خوفه،
وهناك من يكابر بصمته، يتظاهر بالثبات وقلبه ممتلئ بالخذلان.
اللامبالاة الحقيقية نابعة من اتزان داخلي ووعي ناضج،
أما الزائفة، فهي مجرد قناع يحمي ضعفًا لم يُشفَ بعد.
وفي الحب، لا يُولد الصفاء من الكمال، بل من النقص.
الحب لا يخلو من الصراخ، والكبت، والألم، والبرود، وسوء الظن أحيانًا.
لكن هذه الحالات، رغم حدّتها، تظلّ عرضية وطبيعية،
لا تمحو صدق المشاعر ولا تشوّهها.
بل للمفارقة، هي ما يُضفي على الحب أصالته،
لأن الحب ليس فكرة مثالية، بل ممارسة إنسانية مليئة بالتناقضات.
فالحب الحقّ هو الغفران للزلل، والرحمة تجاه الضعف،
والإعذار للعيوب، والرغبة في الاستمرار رغم التعب.
هو تناغم بين القوة واللين، بين الكرامة والحنين.
هو أن تعترف أنك تأذيت، لكنك لا تزال تختار أن تحب.
وفي لحظات الجرح، حين يتفجر الألم كإعصارٍ داخلي،
قد يتملك القلب رغبة في الانتقام، أو انسحابٍ عنيفٍ يمسّ الكرامة.
لكن الاحتواء هنا لا يعني السكوت،
بل أن نُمهل الغضب حتى يهدأ، ونُعيد التوازن قبل اتخاذ القرار.
أن نصغي لوجعنا دون أن نُسلّمه زمام قرارٍ قد نندم عليه.
وفي النهاية،
الفرق بين الكبرياء الناضج والكبرياء المجروح المتهرّب،
هو أن الأول يحمي دون أن يؤذي، يصمت لأنه يُقدّر نفسه، لا لأنه عاجز.
أما الآخر، فيدّعي القوة هربًا من الضعف،
ويتزيّن باللامبالاة ليُخفي عجزه.
وما بين الاثنين، تتكشف لنا وجوه الإنسان حين يُحب،
ويُخذل، ويحاول أن يبقى واقفًا.
ففي القلب الذي يجرحه الصدّ، ويُنعشه الحنان...
يسكن الكِبر المجروح، منتظرًا حبًا لا يكسّره بل يحتويه.