لو علمتَ طعم الحبّ الحقّ، لاخترت أن تعيد فصول الحكاية ألف مرّة،
بكل ما فيها من سُكْرٍ ولهفةٍ وافتتانٍ واحتراقٍ وخوفٍ وخذلانٍ وقيامٍ وسقوط.
فالحبّ الذي يُولَد فيك لا يُطفأ،
هو ابتلاءٌ جميلٌ يُقيم فيك كما يقيم الندم في العارفين.
سيقولون عنك قويٌّ، متماسك، يشبه الجبل في ثباته،
ولن يعلموا أنك كلّ مساءٍ تنهارُ صامتًا على وسادتك،
تناجي طيفه كما يناجي الغريق أنفاسه الأخيرة،
وتتحسّس أثر صوته كما يتحسّس الضرير طريق الضوء.
ذلك الألم الذي يجيء من الحبّ،
هو الوجع الوحيد الذي لا ترجُو منه شفاءً،
ولو اجتمع لك دواءُ الأرضِ كلّه ما رغبتَ في بلعه،
لأنك تخشى أن يُمحى من قلبك وجهُ من أحببت.
كأنك المصلوبُ على عتبةٍ من الوجد،
يؤلمك المسامير لكنّك تبكي إن فكّوك منها.
ستدعوه وتقول:
يا ربّ، اغفر لي كلّ ما بدرَ منّي،
إلّا حبّه، فإن كان ذنبًا فلا تغفره،
فهو الذنبُ الذي جعلني أراك في ملامحه،
والجمالُ الذي أيقظ قلبي بعد مواتٍ طويل.
العاشقُ مخلوقٌ غريب،
يُقاتل العالم ويغلبه،
ثم يسقط راكعًا أمام نظرةٍ واحدة من معشوقه،
كأن الكلمة الخارجة من فمه سيفٌ يشقّ صدره نصفين.
وويلٌ للعاشق إن مات قلبُ محبوبه،
فما من موتٍ أشدّ من أن تبقى حيًّا وجسدك مملوءٌ بشظايا حبٍّ مكسور.
إن أحببت، ستجمع ضحكاته كما يجمع الصغيرُ قواقع البحر،
تحفظها في صدرك، تخرجها عند الضيق،
تشمّها كما يُشمّ طين المطر في أول الخريف.
ستضحك له كالمهرّج، وتؤمن به كالنبيّ،
وتغفر له كالأمّ، وتنتظره كالمسافر الذي نسي اسمه على محطة القطار.
ستشكره على كلّ ما أوقد فيك من حياة،
على الضحك، على البكاء، على النقاء الذي عاد ليسكن روحك.
وحتى إن رحل، سيبقى أثره كالنقش في الحجر،
واديًا جافًّا يتضرّع للمطر،
وأنشودته التي تتردّد في قلبك كلّما صنعت قهوتك في المساء.
ستقول "لا بأس" كثيرًا، وتبدو قويًّا،
لكنّ وسادتك ستفضحك كلّ ليلة،
وستبقى جاثيًا على ركبتيك، تبعث نورك إلى الغائب،
منتظرًا أن يلامس النور وجهه فيبتسم،
فتحيا أنت من جديد.
فما الحبُّ إلا قيامٌ أبديٌّ بين عرشٍ من الشوق ومحرابٍ من الوجع.
كتبتُه وأنا أنحني أمام فكرة الخلود في إنسان.





































