صحيح أن الفتى صرخ: "ذئب! ذئب!"
لكن الحكاية لم تُروَ كما يجب.
ما كان بحاجة إلى من يحميه من وحشٍ يتربص خلف التلال،
بل كان يستغيث من وحشٍ يسكنه،
ذئبٌ يلبس جلده،
يتغذى من رهافة شعوره،
ويكبر كلما حاول النجاة.
كان يحذرهم لا لينقذوه،
بل ليفهموا أن الذئب ليس غريبًا عن هذا الجسد،
وأن قلبه ليس حصنًا، بل ميدان قتال،
وأن روحه تمزّقت وهي تصرخ:
"احذروا... أنا أشتعلُ من الداخل."
لكنهم لم يفهموا،
ظنّوا أنه يلهو،
فتركوه للفريسة،
وها هو اليوم، قطعةً من الذئب، وقطعةً من الرماد.
وأنا؟
أنا لم أصرخ،
أنا صمتُّ، حتى أكلني الذئب بأسنانه الباردة،
بدأ من قلبي،
افترسه وهو ينزف بين ضلوعي،
ولم أصرخ،
بل ابتسمتُ كما لو أني من صنع هذا الألم،
كما لو أني وُلدتُ لأحترق ولا أشتكي.
قلبي؟
قلبي ليس ساذجًا كما توهّموا،
لكنه كان طيبًا، يُغفر حين يُقصى،
ويُحب رغم النُدوب،
ويفتح بابه لوحشٍ يعرف أنه سيكسره.
فجاء الذئب كما توقعت،
وأنا... لم أغلق الباب.
الآن،
لا شيء في صدري سوى العواء،
لا شيء ينبض سوى الغضب،
ولا شيء يُرجى من ذئبٍ ذاق دم القلب،
إلا أن يُكمل الوجبة.