لا أُجيدُ الضجيج في الفرح، ولا النحيب في الحزن، كأنّ مشاعري تمشي على عكّاز قلبٍ هش، تتعثّر بي كما يتعثّر طفلٌ في أولى خطواته، يركضُ مرةً نحو الضوء، ثمّ يسقطُ على ظلّه دون سابق إنذار.
أتأرجحُ بين الإنكار الجافّ والانغماس الغامر، أُطفئُ نار الشعور في صدري، ثم أُشعلها من جديد كمن يختبر حرارة جُرحه ليطمئن أنه ما زال حيًّا. أجهشُ بالبكاء حتى تُصاب عينايَ بالعتمة، ثمّ أضحكُ ضحكةً طازجة، كأنّ شيئًا لم يكن.
كثيرًا ما تضيقُ بي الحياة، حتى لا أرى منفذًا واحدًا للنجاة، لكنّ الأمل، ذلك الخيط الرفيع، يلتفُّ حول معصمي كالسوار، يشدّني من حافة السقوط كلّما غفلتُ عن النجاة.
أُؤمنُ أنّ الخير مُقدّرٌ، وأنّ لكل عثرةٍ حكمة، لكنّ الصدمة الأولى تفترسني دائمًا، أقاومها بصراخٍ داخليّ، أتحوّل إلى ظلٍ منكمش، أرفض، أتمرّد، أئنّ بصمتٍ مُوجع، ثمّ ما تلبثُ السكينة أن تُدثّرني بردائها، حين يغلبني اليقين.
أعشق الأُنس، لكنّ في داخلي ناسكًا صغيرًا يُحبُّ الزوايا البعيدة، فأهربُ من دفء الأحاديث إلى صقيع وحدتي، كناسكٍ يختبئ في صومعة قلبه، يخشى أن تذوب روحه في وهج الضوء، فيبحث عن فتحةٍ صغيرة يحتمي بها من الازدحام.
أعرفُ كيف تُصبح الذكرى الجميلة قاسية، كيف تتحوّل إلى سكينٍ في غمدها، فأُخفيها في جُعبةِ الروح، أُخزّنها بعيدًا عن النسيان، وبعيدًا عن التذكّر المُبكِي في آنٍ واحد.
كم تُرهقنا المشاعر في صمت الليل، تُفرغُ فينا حمولتها، حتى إذا ما استيقظنا، بدونا منهكين كأنّنا قضينا الليل بأكمله في حروبٍ خفية لا يراها أحد.