أهو تمردٌ صامت؟
أم استياءٌ يتخفّى في ثناياي؟
أهي غربةٌ تَفشّت في ملامحي؟
أم نُدبةُ انتماءٍ لم يلتئم؟
ربما كنتُ ساحةَ حربٍ اجتمعت فيها كلّ هذه الرياح،
وربما كنتُ أنقاضَ مدينةٍ هجرها أهلُها،
وبقيتُ فيها وحدي… أعدُّ الذكريات كمن يفتّش عن ضوءٍ في مقبرة.
أمشي على أطراف نفسي كمن يسير فوق زجاجٍ مكسور،
كل فكرةٍ تؤلمني،
كل ذاكرةٍ تُعرّي هشاشتي،
وكل سؤالٍ يُفتح في داخلي كجرحٍ لم يُشفَ.
تُرهقني ملامحي التي لم أعد أعرفها،
فأنا أستيقظ كل يومٍ بجسدٍ يشبهني،
لكنّ روحي…
تتسكع في المنافي.
أين أنا؟
من أنا؟
وكيف ضاعت خطايَ حتى لم أعد أعرف في أي الجهات تسكن راحتي؟
قلبي كبيتٍ قديم تهدّلت نوافذه،
تسكنه الريح… وتخرج منه الطمأنينة.
كلما حاولتُ ترميمه،
انهار جزءٌ آخر،
كأن الراحة تُراوغني كلما اقتربتُ منها.
أشتاق إلى نسخةٍ قديمةٍ من نفسي،
كانت تضحك بصدق، وتحلم بجرأة،
تصدّق الغيم، وتثق أن المطر سيجيء.
أما اليوم…
فأنا أضع على قلبي معطفًا سميكًا من الصمت،
أخشى أن يُرى وجعي،
أخشى أن يخذلني أحدٌ وأنا مكشوفةٌ أمامه.
ليتني أعود…
لا إلى الأمس،
بل إلى تلك الطمأنينة التي كانت تسكنني دون إذن،
إلى دعاءٍ يُغلق الليل على صدري فأنام،
إلى حضنٍ لا يسأل، لا يحاكم، لا يوجع… فقط يحتوي.
أريد حبًا لا يُعلّق على حوافّ الوجع،
ولا يضيع في غبار الانتظار،
أريد حنانًا يُغلق خلفي أبواب الوحدة،
وصوتًا يقول لي بثقة:
"كل هذا التيه لا يُشبهك… ستعودين إليكِ، كما يُولد الفجر من رحم الليل."
[وأحْسَنُ خَلقِ اللهِ أضْحى مُعذَّبًا
لأنَّ لهُ في كُلِّ قلبٍ مَسَاكِنَا]