غداً يوم زفافها ..
النوم عصفور نشيط لا يمكن الإمساك به أبداً .. يعتصر ذهنها ألف سؤال وتعصف بنفسها مخاوف لا حصر لها ..
كانت "غادة" شابة حسناء لكنها لم تزل ترى في نفسها طفلة بحاجة إلى من يرعاها .. صحيح أنها إختارت خطيبها عن قصة حب جميلة لكن من يدري؟؟ بعد الزواج تتغير أشياء كثيرة
إنها تستشعر نفس إحساس الطالب الذي ينتظر صباحاً إمتحاناً لم يقرأ حرفاً في مادته قط !
هذه الغرفة هي آخر ليلة فيها .. قريباً لن ترى أبويها وإخوتها كل صباح ستكون وحدها مع زوجها في البيت وسعادتها رهن لإستمرار الحب أو عدمه
قريباً تنفصل عن كل ما عاشت فيه لتحيا حياة أخرى تجهل تماماً مصيرها فيها
نهضت من الفراش واتجهت إلى الشرفة ..
عم إسماعيل العجوز في الشارع يغلق دكانته العتيقة .. عم إسماعيل الذي كانت تبتاع منه الحلوى وهي بعد طفلة .. وتبتاع منه أكياس الحناء وهي شابة راشدة
حتى عم إسماعيل ستشتاق إليه ..!
عادت إلى غرفتها وتأملت مكتبتها .. تناولت أحد كتبها أيام الثانوية - لازالت تحتفظ بها - بحنين صافحت عيناها القلوب التي رسمتها مع زميلتها على حواف الكتاب .. والأدعية الدينيه بتيسير الصعب وملخصات ما بين الفقرات ..
قلبت الكتاب صورة فارس أحلامها التي كانت ترسمها دائماً في آخر صفحاته ..
إنه يشبه "خالد" خطيبها ,, لكن الخيال دائماً أجمل !
" خالد "..
مهذب رقيق مجتهد في عمله ويحبها كثيراً .. وهي كذلك .. لماذا لا تشركه معها في مخاوفها الليلة ؟
أمسكت بالهاتف المحمول وطلبت رقمه .. رنين طويل ثم لا رد !
مرة أخرى .. هذه المرة أتاها صوته ناعساً غارقاً في الأحلام .:

- حبيبي خير في ايه ؟
- مفيش عايزة اتكلم معاك شوية ..!
- خير ؟
- انت هتعمل ايه بكره بقى !!
- نعم ؟!!!
- قصدي هتيجي بدري الكوافير ولا هتسيبني ساعتين وتضحك الناس عليا زي يوم الخطوبة ؟؟
- يوم الخطوبه كان راس السنة والطريق زحمة ان شاء الله اخلص اللي ورايا بدري واكون عندك قبل الميعاد

صمت طويل .. ليس هذا ما كانت تنوي الحديث فيه لكنها لا تعرف كيف تبدأ .. ناهيك عن أن صوته الناعس غير مشجع على الإطلاق !

- طيب طيب تصبح على خير ... (تغلق الهاتف )

نظر "خالد" إلى الهاتف غير مصدق .. هل لا زال يحلم ؟؟ هل جنت الفتاة أخيراً ؟؟
"غادة" غير طبيعية بالمرة .. إن هناك شيء يقلقها كثيراً يعرف أنها رقيقة خجولة وبالتأكيد ينهشها القلق ..يجدر به أن يبدأ تحمل أعباء الزواج من الآن .. ويالها من أعباء تلك التي تجبر على هجر نوم لذيذ لأجلها !
يعاود الإتصال بها ..


- الو .. ايوة يا " خالد " لسه منمتش
- صوتك طير النوم من عيني .. احكيلي مالك
- مفيش
- لا فيه ... طب عيني فعينك ؟؟
غادة (باسمة) : أهو !
- شوفتي يبقى فيه !
غادة (ضاحكة) : مفيش بجد قلقانة شوية وخايفة .. هو مكنش ينفع نأجل الفرح لما يخلص اخواتي الامتحانات ؟؟
- نأجل الفرح ؟؟ واعيش ايام تاني زيادة وانتي مش معايا ؟؟
- مهو انا حسه اني مش مستعدة نفسياً .. كل حاجه بسرعة ولخبطة مش فاكره لو كان ناقص حاجه مجبتهاش
- هنكمل كل حاجة واحنا سوا عمري ما هجبرك على شيء تكرهيه ولا هخليك تندمي إلا على أيامك قبل الزواج

لحظة صمت دافئة ..
الطمأنينة تتسرب إلى أطرافها المرتجفة وكلماته تربت على قلبها المذعور ..

يلتقط " خالد " طرف خيط الصمت (باحترافية ):

- فاكرة أول مرة شوفتك فيها ؟؟
- اممم
- ساعتها حسيت انك شيء يخصني وإني مش هسيبك أبداً ..
- ....................
- غادة .. رحتي فين ؟
- هنا بسمعك .. بس انت كلمت " مروة " صحبتي الاول
إرتباك.. ثم : آه عشان تعرفني بيك امال هتعرف بيك ازاي هيههيهيهي .. هيا " مروة " اجوزت ؟
- لا لسه
- اتعموا الشباب باين !
- بتقول ايه ؟
- بقول عقبال الحبايب !
- بصراحة حسه ان الجواز مسئولية كبيرة جداً .. دايماً بشوف نفسي طفلة ..أنا بحبك بس ..خايفة ..
- متخافيش اعرف اعمل صنفين تلاته همشي حالي بيهم لو طبيخك شاط !
- طيب وانا هفضل قاعده لوحدي ؟ عايزه اروح كل اسبوع لماما
خالد : ماما ؟! .. آآآه .. وماله وماله ! نروح لماما !!
- وكمان مش عا ..
- بقولك ايه .. فاكرة قصيدة نزار قباني "أحبكـ جداً " ؟
...
لست النساء ماذا نقول
أحبك جدا...
...
أحبك جداً وأعرف أني أعيش بمنفى
وأنتِ بمنفى
وبيني وبينك
ريحٌ
وغيمٌ
وبرقٌ
ورعدٌ
وثلجٌ ونـار
وأعرف أن الوصول لعينيك وهمٌ
وأعرف أن الوصول إليك
انتحـار
ويسعدني
أن أمزق نفسي لأجلك أيتها الغالية
ولو خيروني
لكررت حبك للمرة الثانية

- غادة مبتسمة : أول قصيدة بعتهالي :)
- كنت بالنسبة لي حلم .. ودلوقت بعد الدقايق عشان امسكه بايدي .. يقوم الحلم يقولي نأجله بعد الامتحانات ؟ امتحانات ايه بس !
غادة : طيب خلاص انا كنت بفضفض معاك ..
خالد وقد قتلته الرغبه في النوم : نطمن بقى وننام عشان في عروسة بكره عريسها هتروح عليه نومة وينساها في الكوافير :)
غاده مبتسمة : تصبح علي خير
خالد وقد دخل عالم الأحلام بالفعل : وانتي من اهل الخير

غادة تقرأ في كتاب أشعار لنزار قباني .. تهيم مجدداً بين سطوره وتتخيل خالد فارساً يخوض الأهوال من أجل عينيها ..
حتى يغلبها النعاس ..