هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • لن يغير من الحقيقة شيئا | 2024-07-26
  • لا لمسؤولية بيت ابني المتزوج | 2024-07-26
  •  دراسة التاريخ ليست إلهاءً | 2024-07-26
  • دَغبَش | 2024-07-25
  • الحرب والشتاء  | 2024-07-25
  • مرة أخرى | 2024-02-08
  • أول ساعة فراق | 2024-07-26
  • لحم معيز - الجزء السابع والأخير | 2024-07-25
  • لم أكن أعرفك … | 2024-07-26
  • لماذا المنهج الصوفي أفضل من السلفي؟ | 2024-07-26
  • الإنتاج هو الحل،، كبسولة | 2024-07-26
  • وكلما مر عليه ملأ من قومه !!!!! | 2024-07-25
  • ماتت سعادتي | 2024-02-05
  • دواء الدنيترا و سرعة ضربات القلب ، حالة خاصة ، ما التفسير؟ | 2024-07-25
  • انت عايز تتربى  | 2024-07-24
  • سيدات ثلاثية الأبعاد | 2024-07-24
  • أوامر النبي صلى الله عليه وسلم ونواهيه في رؤيا منامية، هل تلزم الرائي ؟ | 2024-07-24
  • المعنى الحقيقى للزواج فى زَمَنِنا هذا | 2024-04-05
  • الفجر والغسق | 2024-07-24
  • ليس محمد صبحي !! | 2024-07-24
  1. الرئيسية
  2. مدونة رانيا ثروت
  3. ابن عروس وفن الواو لرانيا ثروت
 
فن الواو، هو فن وليد الكيان المصري الصعيدي ضارباً بجذوره في أعماق التاريخ المصري وهموم أبناء الصعيد وحكمتهم الحياتية المكتسبة وعناصر بيئتهم الغنية، ويتميز بنظم الشعر الذي يسمى مربعات، ويستخدم اللغة الشعبية وعادة ما يصاحبه عزف موسيقي على الربابة. 
معظم مربعات فن الواو لشعراء مجهولون وتتداول شفهياً يستمد فن الواو أهميته من كونه فنا شفاهيا، يتوارثه الشعراء عن الأسلاف، كنمط تعبيري، ويجددون في طرائقه وأشكاله، مع الحفاظ على قالبه الفني.
 وسمي بهذا الأسم لكثرة واوات العطف به، كما يعتمد اللغة الشعبية كأداة للتشكيل الفني مع الإيقاع الموسيقي المحدد. 
وانتشر فن الواو في صعيد مصر، وقد تميزت به محافظة قنا عن غيرها من المحافظات المصرية، وازدهر فن الواو في عصر المماليك والعثمانيين، وكان كثيراً ما يلجأ إلى التورية والكلام غير المباشر، حتى لا يقع فريسة للرقابة الصارمة التي كانت مفروضة على الأهالي في عصور الاستبداد، فكان هذا الفن منحازاً للجماهير ضد سيوف الحكام.
 نشأ فن الواو في جنوب قنا وبالتحديد في مدينة قوص على يد ابن عروس، الذي حاز السبق في هذا المضمار وأسس لهذا الفن، ولكن علينا أن نسأل هنا من هو ابن عروس؟ للحق إن المصادر حول الرجل الذي شغل الناس بفنه ولهجت به الألسن تكاد تكون شحيحة، فهو أحمد بن عروس ولد عام 1780م في قرية «مزاته» التابعة لمركز قوص جنوب قنا، إبان عصر المماليك الذين استعانت بهم الدولة العثمانية في البطش بالشعب المصري والتنكيل وجمع الضرائب، وما عرفوا به من فساد وظلم شديد، في هذا العهد ولد ابن عروس في أسرة فقيرة، وقد منحته الطبيعة جسما قويا وقلبًا كالصخر لا يلين، استخدم هذه القوة في البطش والسرقة وفرض الإتاوات على الناس، حتى هابه المماليك والأهالي وأصبحوا يحسبون له ألف حساب، إلى أن أدركه الكبر وخشي أن يقابل الله بكل المعاصي والذنوب التي ارتكبها، فتاب إلى الله وبدأ ينشد أشعاره وحكمته في الحياة لينسج على غراره العديد من القوالة من بعده.
وتتعدد الروايات حول أسباب توبة ابن عروس، ومنها أنه ذات مرة كان يسير في الطريق وكانت هناك عروسًا في هودجها في طريقها إلى بيت عريسها فلما رآه من يجرون الجمل تنحوا خوفًا منه وفروا هربا عنها، فذهب «ابن عروس» إلى العروس وتحدث معها وإذا بالجمل أثناء الحديث يمد عنقه ويأكل من الزرع فقالت العروس مخاطباً الجمل «يا جمل العروس لا ترعى الندى.. العقبة طويلة والملتقى غدا» ولما سمع ابن عروس هذا الكلام، وشعر بتقوى وإيمان الفتاة أشرقت العناية الإلهية على قلبه وتاب توبة نصوحا، وأخذ بزمام جمل العروس وسار بها إلى أهلها وخرج من عندها إلى داره فخلع ما كان عليه من الثياب الفاخرة، ولبس خشن الثياب وخرج هائما في وسيع الجبال ينشد حكمته.
وهناك روايات تُرجع سبب توبته إلى أن رجلين من عصابته قد سرقا أحد الأغنياء وغنما الكثير، فطلب أحدهما من الآخر أن يذهب ليُحضر طعاما له، وقد نوى أن يغدر بصاحبه حين يعود لينفرد بالمال، وبالفعل حين عاد قتله، وكان المقتول قد فكر في الأمر نفسه وسم الطعام، فمات الثاني من السم، وحين عاد ابن عروس إلى المغارة وجد قتيلين في المغارة والمال كما هو، فعرف ما حدث وقال «دنيا تلاهي… حازوها الملاهي… عبوها في شكاير… وفاتوها كما هي» وتاب بعد هذه الحادثة.
وهناك رواية ثالثة تزعم أنه تاب بعد أن هربت عروس شابة كان يريد أن يتزوجها وهو شيخ، إلا أنها كانت تحب ابن اعمها الشاب مثلها فهربت معه عشية العرس، فنزل هذا الخبر كالصاعقة على ابن عروس وهام على وجهه في البلاد بعد ضاعت هيبته، وكرامته وهربت الفتاة التي أحبها، فلبس خشن الثياب وزهد في الحياة، فهذه الصدمة العاطفية التي مني بها حولته من وحش ذي جبروت إلى زاهد في الحياة متصوف ينتقل من بلد إلى بلد، وهو ينشد فنه «الواو» الموزون على بحر «المجتث» العروضي، وهناك من يقول أنه تقدم لعروس جميلة شابة فأشترطت كي يتزوجها أن يتوب عن الذنوب التي ارتكبها فتاب وكان منه ما كان.
ورغم ذلك فقد تشكك رواد كبار في وجود «ابن عروس» ومن أشهر هؤلاء الشاعر الكبير «عبدالرحمن الأبنودي» الذي أشار في البدء إلى أن ابن عروس شخصية أسطورية مثل «جحا» ويضيف إليها الناس الأشعار، كما يضيفون إلى حكايات «جحا»، ثم ذكر في موضع آخر: أن ابن عروس تونسي، معتمدًا على أن هناك متصوفًا تونسيًا يدعى ابن عروس وقد ذكره الزركلي في أعلامه. باحثون آخرون دافعوا عن حقيقة وجود ابن عروس بالإشارة إلى أن أزجاله التي وصلتنا إنما تعبر تعبيرًا صادقًا عن البيئة المصرية في الجنوب من طعامها وزرعها ونيلها وعادات أهلها وحكمهم وأمثالهم ولغتهم أيضًا التي تسربت إلى أشعاره.
وديوان ابن عروس عبارة عن مخطوطة مودعة بدار الكتب المصرية، ولا يزيد عدد صفحاته عن عشرة من القطع المتوسط، وعدد أبيات الديوان يصل إلى 121 بيتًا. 
وفن الواو هو "المربع"، الذي يتكون من أربع شطرات، تشبه قافية الأولى قافية الثالثة، فيما تشبه قافية الثانية قافية الرابعة، حيث يتكون من أربع حركات بنائية هي: العتب، والطرح، ثم الشد، والصيد. 
ينقسم فن الواو إلى نوعين:
مربعات مفتوحة: ويسهل فهمها وتحليلها
مثل قول الشاعر محمد فتحي:
عيونك صحت الأشواق
وقلبى كان خلاص ملك
وبعد الغربة في الأسواق
حنيني لقلبك أتملك
مربع مغلق: صعب فهمه إلا لمن كان يفهم لهجة قائله
وقول الشاعر عبد الستار سليم:
أول كلامي ح اصّلي
ع اللي الغزاله مشت له
واحكي له ع اللي حصل لي
وارمي همومي ف مشاتله
 
تعتمد طريقة القول فيه على التداخل الصوتي من حيث التقطيع والاتصال الذى يحافظ على القوافى المنطوقة لا المكتبة. 
إن فن "الواو" فن قديم، كان مختصًا بهجاء القبائل لبعضها البعض، والمدح للشخصيات، حتى تحول على يد الشعراء الكبار في العصر الحديث إلى مخزون حياتي ومشهد يومي وفن الواو يعتمد على قوالين، حيث من يقول بخلاف من يرد، وهو المعمول به حتى الآن.
 ولما كان "فـــن الواو" فـــن قول و "سماع" وليس فـــن كتابة، فالذين ابتدعوه كانوا لا يجيدون القراءة ولا الكتابة، ولكن كانوا يعتمدون على السماع فقط (مثلهم فى ذلك مثل عرب الجاهلية) وهذا ما جعلهم سريعى البديهة أقوياء الملاحظة. 
 وهو فـن ذو طبيعة خاصة، إذ لا يستطيعه إلا الذين لهم قدرة خاصة على التجريد، والذين يمتلكون ثروة لغوية شعبية هائلة، تحمل سمة وطبيعة البيئة الشعبية، وهو لا يحتمل الترف، أى الترهل أو إقحام الألفاظ غير الدالة وغير الموحية، وذلك لطبيعته الخاصة جدا. 
استمدت هذه الأشعار جاذبيتها ومقومات خلودها من صياغتها الشعرية، فاللغة والتقفية تلعبان دورا كبيرا فى الصياغة بالإضافة إلى تركيباته ذات الجناسات فمثلا يقول المربع القديم:
عينى رأت سرب غزلان
فيهم غزالة شريدة
والقلب لما اتنغز ..لان
شاور وقال لي شار..يده
 
 ففن الواو نتاج ثقافة خاصة وقد حفظته لنا الذاكرة الشعبية، فاخترق الزمان ووصل إلينا كما هو.
وأغراض "فـــن الواو" الشعرية كانت تنحصر فى عدد محدود، من هذه الأغراض الحكمة، فالمربعات هى وعاء للحكمة، وتلخيص للمعانى الكبيرة ذات الطابع الفلسفي فى الموروث فمثلا يقول ابن عروس:
الندل ميّــت وهوْ حى ّ
ولاحَــدّ يحسب حسابه
وهوّ كالترمس النىّ
حضوره يشبه غيابه
ومنها استخدام "مربعات الواو" فى الألغاز والأحاجى، لمجرد التسلية وشحذ القرائح الذهنية وتحدى القدرات العقلية فى مجالس السمر على المصاطب فى الساحات أمام "المنادر " و " الدواوين " وحول "الجرون". 
و" المساطيح " جمع مسطاح وهو مساحة كبيرة من الأرض يفرش عليها البلح وأعواد كيزان الذرة حتى تجف. 
ومنها قدرة فـــن الواو على الاستيعاب الملحمى للسيرة الهلالية فى صيغتها الصعيدية قيل إن السيرة تربو على آلاف المربعات ونذكر أنه من أشهر من حفظوها من أبناء الصعيد الجوّانى: جابر ابو حسين، والضوّى، ومحمد اليمنى، وعز الدين نصر الدين، وغيرهم.
يقول المربع:
ولا عايـمة الَّا ما ترسى
وتيجى بـرّها بالسلامة
تسعة وتسعين. كرسى
وقفوا للاسمر "سلامة "
قاصدا أبو زيد الهلالي سلامة 
ومنها الشكوى من الزمان وغدر الخلّان، وجوْر الحكام، فقد كان عصر حكم المماليك والأتراك العثمانيين لمصر يتسم بالظلم والقسوة فى جمع الضرائب، وكان أهل الصعيد الجوّانى يعانون - ما تعانيه الناس - من وطأة هذا الظلم، ولقد قيّض الله أناسا يمتلكون قدرات فنية فذة لابتداع هذا النوع من القوالة فمثلا يقول ابن عروس:
ولاحَــدّ خالى من الهمّ
حتى قلوع المراكب
إوْعا تقول للندل يا عم ّ
لو كان ع السِّر ْج راكب 
 
ولا حَــدّ خالى من الهمّ
حتى السّـعٓــف فى جريده
إوْعا تقول للندل يا عمَّ.
لو كان روحك فى إيده
ومحافظة قنا، هى المنطقة ذات الشهرة القديمة فى فـــن الزجل، وهي اشتهرت بالعدد الهائل من القوّالين الذين أنجبتهم قديما وحديثا، والذي بلغ بعضهم منزلة رفيعة فى " فـــن الواو "، ومن أشهر هؤلاء الفرسان الجنوبيين القدامى: ابن عروس، وحسين الحكيم، وأحمد القوصى، وعلى النابى وزوجته، وحسين زوط وأولاده، وحسن الفرشوط ، وحسن القفطى، وعبدالله لهلبها الإسناوى، ومحمد عبدالواحد، وابو كراع، وحسن السقـلـّى، وغيرهم.. 
"فن الواو " هو شعر مصرى جنوبي، صادر عن السليقة الجنوبية، ومعبر عن الطبيعة الشعبية، ومسجل لمزاج الشعب الجنوبي ولغته الخاصة فى الفن والتعبير ومن خلاله يتم التعبير عن آلامه وآماله، وهمومه وقضاياه، وعن جراحاته المخزونة، فينشده بحرارة، ويلقيه بمرارة. 
وفن الواو فى معظمه وليد تجربة ومعاناة حقيقية صادقة وربما لذلك تناقلته الألسنة وحفظته الصدور على مر العوام.
 
رانيا ثروت
التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

618 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع