هل أتى على الإنسان يوم من الزمان نسي عذابه ومَن عذبه؟
أتى..
متى؟
حين طال الزمان الفارق بينه وبين من آذاه..
وحين رأي جزاء من آذاه شاخصا أمام ناظريه يقول له أنا جزاء ألمك أرد عنك الصاع صاعين، فلا تبتئس..
وحين أبدلته المقادير عن الحزن فرحا..
أو.. حين عاشر من هم أشد إيذاء.. فعرف أنه حتى في الإيذاء درجات من الرحمة.. وأن بعض أهله ضعاف الفعل والأثر.
لكن أعظم أحوال النسيان تأتي لما تهدأ نفس المُعذب حين يوقن باستدارة الزمان .. فتتلاشي تفاصيل وتنكمش ذكريات، وتستجد حوادث وتتحقق أمنيات، فلا يعود يجد في وقته الثمين فسحة للتذكر والاجترار والأسي.
وعلى كل الأحوال، لا ينسى الإنسان عذابا تلقاه على يد غيره إلا برحمة من الله.. أمرٌ إلهيٌ يتنزل على قلبه أن انظر أمامك وأهمل ماضيك وانتظر فرجا.. فإن تنزل له الأمر صار النسيان أصيلا فيه حتى ليظن الناظر إليه أنه لم يعرف يوما ألما.. وحتى ليظن هو ذاته أنه كان يصطنع حكايات الألم.
فإذا تعذبت فاصبر..
وإن نازعتك الهموم على روحك ففر بروحك..
وانتظر تنزيل أمرك..
ولسوف يأتيك..
ولسوف تنسى..
ولسوف ترضى.