يعنى شوف الفيزياء مثلا..بدات فين ودلوقتى فين..الكيمياء وهى من كام قرن يادوب عايزين يحولوا كل المعادن لذهب وشوف وصلوا لايه..بس الطب وضعه ايه؟ هيصه ومجاميع والدكتور راح الدكتور جه..وفى الآخر الناس بتموت و أمراض مستعصيه مش بتخف ..

هل دا ناتج عن فشل الطب وادواته ولا لمجرد ان "الإنسان فان"؟

الغريبه ان الكتاب دا قرأته من سنتين تقريبا..وقتها كنا فى عز الكورونا والمود العام لم يسمح انى اتكلم عنه..افتكرته بشدة اليومين دول وأنا بأعيد قراءة "انقطاعات الموت-خوسيه ساراماجو" وكأنها أول مرة الحقيقة..

مؤلف الكتاب طبيب وجراح ..بيحكى فيه تجربته على المستوى العملى والمستوى الإنسانى..لرحلة نهاية الحياة والشيخوخة وازاى الطب الحديث بيتعامل معاها..وازاى الناس بتتعامل معاها..بيحكى من مقعد الطبيب ومقعد أهل المريض ..لان والده اتوفى بسرطان الرئة...وواجه نفس الاختيارات المتعبه والمرهقة..اعمل ايه دلوقتى؟!

Being mortal, medicine and what matters in the end

 "الإنسان فان: الطب وما يمثل أهمية حقيقية فى النهاية" هو عرض لمعضلة بتواجه الطب ككل..وطب الأورام و كل من يتعامل مع أمراض مستعصيه لها نهاية محتومة..أمتى أناضل عشان المريض بكل قوتى وكل الوسائل المتاحه وامتى ارفع إيدى وأقول ستوب..كفايه كدا ودعوه يرحل فى سلام...بيعرض الكاتب" أتول جوانادى" قصص لمرضى فى المراحل الأخيرة من الحياة بيتعرضوا لجراحات عنيفة وتدخلات طبية مجحفه فى الآخر لم تضف لهم شىء...بمعنى..مريض سرطان متقدم حياته لم يبقى فيها سوى اسابيع..تجرى له جراحه استئصال لورم ضاغط على فقرات الظهر..بيعانى فى الجراحة..ويعانى ما بعد الجراحة..ويعانى من المرض..وفى الآخر على ما الجرح قفل كان المريض جسمه ضعيف جدا ومش قادر يتحرك نتيجه الخلل الوظيفى المتسبب فيه الورم فى جسمه..المريض استفاد ايه؟ ولا حاجه...

الخلل هنا جاى من عدم تقبل الطب الحديث من ناحيه والمرضى وأهلهم من ناحيه فكره ان فى بعض الأحيان الأفضل للمريض هو أن لا تفعل شىء ..كفايه اختراقات خرقاء لجسمه وشرايينه بمحاليل وأدوية هو مش حيستفيد منها اى حاجه..العبارة المثيرة لسخريه البعض Best supportive care هى فى معظم الأحيان أفضل ما يمكن تقديمه للمريض..هى نوع من الدعم التفصيل على حالته..ألم نسكنه..قىء نوقفه..تنفس نحسنه..لكن أكثر من كدا بأحمل عليه وعلى السيستم بدون فائدة على المستوى الإنسانى ولا الطبى اتقدمت..

مرضى وأهالى بيصرفوا دم قلبهم..وينزلوا فى المستوى المادى والإجتماعى ويبيعوا بيوت و عربيات ويطلعوا ولاد من كليات خاصه عشان يوفروا ثمن علاج لن يقدم للمريض شىء..مش حأتكلم عن القوانين الحاكمه للعمل فى مصر لأسباب كتير - لكن مريض وأهله بيتعالجوا فى مكان معروف ومحترم مثلا..وأطباءه مشهود لهم بالكفاءة والعلم والضمير..ما أن يسمع جملة "المريض يحتاج فقط للعلاج التلطيفى-حنوقف الكيماوى" حتى يدخل الجميع فى حالة رفض واستنكار عنيف..ويخوضوا رحلة يتلقفهم فيها البعض بترجيح علاجات باهظة الثمن جدا تحت دعوى انها علاجات حديثة ونجرب ونشوف "بدون سند علمى واضح أحيانا" وتقفل القصة على مريض بيموت لأن دا التطور الطبيعى لمرضه وعيله بتترك فى الشارع للأسف او مديونه كمان..دا غير اللجوء لخرافات الطب البديل...ومستشفيات الصين تحت السلم واساطير العلاج بالتبريد والكى..والجراحات العنيفة جدا..عملا بمبدأ ادى الورم وانا شلته..طب باقى الأورام؟ طب استفادة المريض؟ الموضوع مش تحدى فى تكنيك الاستئصال ولا ضخ دوا فى شرايين مريض...السؤال الحقيقى..المريض حيستفيد ايه وانعكاس التدخل الطبى على حالته ايه؟! خناقات مستمرة وشكاوى واتهام بالإهمال كل يوم..أبسط حاجه ان المريض مش بياكل وأهله بيتخانقوا معاه عشان ياكل ويتخانقوا معانا عشان المحاليل تفضل راشقه فى وريده ليل ونهار..بينما المريض فعلا مش قادر ياكل وجهازه الهضمى مبقاش قادر يهضم الأكل..واذا أكل فبكميات معينه وفى أوقات معينه..والمحاليل عند نقطة مع توقف عمليات الامتصاص و الإيض بتبقى حمل على الرئه وتقفل التنفس بدل ما تفيده...والنتيجه ان المريض المسكين يقضى آخر أيام حياته فى خناق وصراع مع أهله عشان "بيتدلع ورافض الأكل" ..وتدهور فى العلاقة بين أهل المريض والفريق الطبى بسبب الشكاوى المستمرة الرسمى منها وغير الرسمى...

حل كل دا يكمن فى الصلح مع حقيقة ان الأنسان فان..آه يا جماعه احنا أجسامنا بتتدهور وتشيخ وتموت..وبتمرض بأمراض مزمنه لا يمكن علاجها لكن يمكن تحسين فرص الحياة بها بدرجات متفاوته..لو بصينا مثلا على علاج داء السكرى..بدل ما كانوا بيموتوا فى العشرينات والتلاتينات بيعيشوا عادى..والعلاج مش بيقضى علي المرض آه لكن بيقدم حياة جيدة جدا للمريض ما دام مواظب على العلاج وتقليل ملحوظ فى معدلات المضاعفات بعيدة المدى للسكرى..تقبل الحقيقة دى بيريح..عدم تقبلها بيرمى المريض وأهله فى دوامات دكتور كركمين..بحثا عن الشفاء التام بعد بلع أربع حبات فى وقت ما..بعدها مفيش انسولين..مفيش أقراص (ومفيش شبكيه ومفيش كلى ومفيش أعصاب طرفية- دا لو عاش)..آه يا جماعه جئنا إلى هذة الحياة بأجساد قابلة للعطب..ومش كل عطب فيها يمكن إصلاحه..ساعات بنصلحه..وساعات بنلصمه..وساعات بنسيبه ونقلل الخسائر على الإنسان عشان لا يتألم ولا يعانى قدر الإمكان حتى يشاء الله..

المعضلة الأكبر والتحدى الأهم ..امتى نتخذ قرار "العلاج التلطيفى"؟ هنا بقى مربط الفرس..أمتى أبطل أحارب وأطلب من المريض وأهله يستسلموا لفكرة ان خلاص مفيش فايده؟ لا يوجد تعريف واضح ودقيق للحظه دى..ممكن يبقى حسب متوسط الوقت المتوقع للمريض يعيشه؟ على حسب حالته العامة..على حسب النظام الصحى الداعم له ومدى قدرته على خدمة المريض؟ الحقيقة ان كل العوامل دى مجتمعه بتتدخل فى القرار..هنا الكتاب بيتناول النقطة دى بس برده من غير مايقدم إجابه..بيحكى تجربته الشخصيه لما استسلم لفكرة وقف العلاج الكيماوى لوالده واهتمامه أكتر انهم يكونوا حواليه..وانه ميتألمش..وأن آخر نظرة تكون لوجه مألوف ومحبوب بالنسبه للمريض..

امتى نقول للمريض حاول واستحمل..وامتى نقوله كفايه و استسلم وتعايش؟ أمتى نحمل عليه وعلى أهله وعلى السيستم ككل تدخلات طبية لا تنتهى وأمتى نرحم شرايينه ومدخرات اهله وميزانيه المستشفى من تدخلات بلا طائل يذكر؟ أظن والله أعلم ان دا الفرق بين الضكتور وبين الطبيب الحكيم الكلاسيكى ..فى غياب الدليل العلمى القاطع والتعريفات الحادة..الأمر بيتطلب الكثير والكثير من الحكمة لإتخاذ القرار..

الطب مش علم فاشل..ولا محبط..الطب بيتعامل مع حقائق كونيه وقدر ونصيب..على رأسها إننا كائنات فانية...و لا يوجد حل سحرى لمنع الموت..ولا تحويل أجساد البشر جميعا لماكينات ألمانيه غير قابلة للعطب..تقبل الحقائق دى حيسهل التعايش بين المرضى و أمراضهم من ناحيه..وبين الأطباء ومرضاهم من ناحية تانيه..و نوجه تفكيرنا كله للبحث عن نقطه التوازن بين خدمة المريض بتركه وبين دفعه لخوض رحلة العلاج..بدون ما نروح فى طريق الإهمال الطبى من ناحيه..او الهسترة والاستغلال من ناحيه تانيه..

ويبقى السؤال..مين المتخلف اللى فصل الطب عن الفلسفة!!!!