أيها المقعد القريب البعيد . ...
كان من الممكن أن تكون مقعداّ مثل أية مقعد ولكن أراك تختلف عن غيرك من المقاعد في الكثير .. والكثير هذا أتى نتاج ليالٍ طويلة قضيتها كنت فيها رفيقاً ملازماً لكيان شخص هو أغلى شخص على قلبي ونفسي في الوجود كله ... وهي أمي رحمة الله عليها
كانت تقضي أكثر نهارها وربما ليلها أيضاً منكمشة في أحضانك في هدوء صامت حزين .. كنت رفيق الألم المحمل بآمال الرجاء في أن يأتي يوماً يرحل عنها ذلك الألم إلى غير رجعة .. أو حتى أن يتخلى عن بعض قسوته ويكون رحيماً بها بعض الشيء .
كانت تجلس في أحضانك صامتة لا تتحرك شفتاها بالشكوى إلا عندما يفيض الكيل و كانت الشكوى لا تتعدى التمتمات الخافتة المبتهلة إلى العلي القدير أن يخفف عنها وكأنها تخشى أن يعلو صوتها بالرجاء فيكون نوعا من الاعتراض على قضاء الله
والآن أراك فارغاً خاوياً وكأنك لفظتها أو لفظتك هي .. فلم تعودا رفيقين .. بل إنني أتلفت في كل شبر حولي فلا أجدها
أفتقدك أمي بشدة .. أفتقد حتى أناتك وآهاتك .. أفتقد دعواتك الواهنة التي كنتي تمنحيني إياها كلما أكرمني الله بأن أعينك على شيء ..
أيها المقعد أين ذهبت رفيقتك .. كيف حدث أن تركتنا أنا وأنت هكذا فجأة .
مازلت كلما تحسستك بيدي واقتربت منك أسمع بقايا أنينها .. لا أعلم هل أكرهك أم أحبك .. لا أدري .. ولكن الأكيد أنني لا أستطيع فراقك لا أستطيع النوم إلا وأنا ألمسك بيدي وأقربك إلى صدري
أشعر في طياتك ببعض نفحات من حنان جارف كنت أتلمسه في كل خلجة من خلجاتها .
ذهبت هي وبقيت أنا وأنت وميراث الأنين الذي تركته لنا .
رحمك الله أمي وأسكنك فسيح جناته
أصدقائي الأعزاء
أسألكم الفاتحة