على عرش اليقين المرصع ببرودة الموت، والمرفوع بابتسامة أب مسبلةً عليه ثوب الاتزان، ينثر الثبات في الأجواء إيمانًا يأخذ بالقلوب والألباب، وهو يئد حزنه بلفتة وداع عاثرة دون تقديس لمراسم صحوته، ثم ينتبه لذروة الشوق الذي ملأ قلبه، وفاضت به العينان، فيغسل آلامه بالغوص في أحضان ابنته، ويوضئ قلبه بالغرق في ملامحها الصافية المخضبة بوشم الشهادة، والمعبقة بأريج الفردوس، فيسبح بحنينه داخل أمواج براءتها، يطلق العنان لذاكراة قلبه لتلتقط صور الخلود داخل شريطها المنسوج بالجهاد،
يتحسس قسماتها، يلثم جبينها،
يرشف منها ما استطاع من ذكرى، ليتزود بها حتى آخر رمق، يشمها ويتنفسها؛ يستجدي عبقها أن يسري داخل مسامه، ويجري داخل إحساسه؛ ليثلج لهيبه، ويلطف من ضرام الحزن الموؤد، ويطفئ ألسنة الرماد المخمود قسرًا داخل رئتيه.
يسترق الحِس؛ فيداعب آذانه صوت طفولتها وهي تمرح بين زراعيه وتتغنج باسمه:
أبي..
أبي...
فيمد لها قلبه قائلًا:
أنت روح الروح
هذي روح الروح
ويطيل السفر في ملامحها حتى تشبع روحه أو تذهب معها حتى يحين اللقاء في ميلاد جديد؛ فأتاه اليقين ململمًا شعثه، ومدثرًا غربته هامسًا:
(وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُۥ وَأَوْرَثَنَا ٱلْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَٰمِلِينَ)
----
حقوق الصورة تعود لمصممها الأصلي و ليس لصاحبة الموضوع