حاصرني وزبد الشوق يسيل من سنا عينيه، وكأنه ينساب على خد موجٍ مختالٍ يحملك بوداعة إلى جزيرة أحلامك وهو يتنهد هامسًا:
الشوق في معبدي خمرٌ معتقةٌ بالولع والصدق، تُحتسى للشفاء من أدواء الحياة، والورع في الحب مذهبي، والإخلاص قبلتي، والوفاء ديدني، متفردٌ قلبي بكل جميل، ليس كمثله في الوله أحد.. (أراهنك).
سحبت ثباتها من ذروة غروره، وشقت نبضه الغارق في بحر همهمته قائلة:
لقد أضاع عليك ضباب قلبك فرح الوصول إلى منتهى غايتك..
يا سيد الكلمات..
إني امرأة صُنعت من الحب على عين المطر وعزف الموج، لتحيا روحها باسقة بين زرقة البحر ورفعة السماء! وفي داخلها تُقام قيامة العشق لقداسة الأصل والثرى!
يا سيد الكلمات..
إني امرأة محبتها قادرة على إغراقك في سحر براءتها، وفتنة عقلها، أما عن قلبها فلن تستطيع الولوج إلى حرمه إلا حبوًا على نبضاتك، بعد أن تخلع عنك كل أردية الزيف، وتتوضأ بمعين الطهر الذي يفوح على عتباته.
يا سيد الكلمات..
يسقط القلب ومبادئه، حين ننزله ساحات التحدي أو الرهان، فهل يؤتمن من حط من شأن قلبه، وبخسه قدره، وجعل منه بضاعةً مزجاة تشرى في سوق الرهان بثمنٍ بخس؟!
هل وعيتَ قَدْر (الكاف) المنتمية لنبض (أحب... كِ)؟!، وهل عظّمتَ شعائر (الكلمة) في قلبك قبل أن يتهجى معانيها بيانك، ويرتجف لجلالها لسانك؟!
فالمحبة للمرء كالروح للجسد؛ فاعتنق ماشئت، إما الحياة أو.. أو الحياة فلا اختيار!
هي ذاك البريق الذي يخطف قلبك وبصيرتك؛ لترى النور في أشد الليالي الأليلة حلكة، والهدى المختبئ في أظلم النفوس تيهًا، والنجاة الكامنة في عرقلة الجمادات لخطاك!!؛ هل فطنت يومًا لاعتراض ذاك الحجر لطريقك، وتعطيله لك عن موعدك؛ فكان سبب نجاتك من هلاكٍ محقق، هل شكرت له صنيعه معك، أو ادخرت لصلابته وجموده بعض الحب!!
أراك ترميني بنظرة يتطاير من شظاياها الاستغراب وتنعتني بالجنون، لكن المحبة أعمق من أن يصافحها قلم، وأجلّ من أن تتأرجح على نبض سطرٍ مختل لا يعرف الاتزان إليه طريقا، وأسمى من أن يتجاهلها أرباب الفكر؛ جُعلت غالية، عالية، رفيعة القدر والمقدار لو تدري...
نهضت واقفة، ورمته بنظرة قاتلة جمعت فيها عناق العمر وعتابه، وثرثرة العالم أجمع رغم خرسها ثم صرخت صامتة:
أخبرني أيها البحر الهائج:
أين يباع النسيان؟!
ينقلون عنك العجائب، ويكتبون فيك القصائد، ويهرعون إليك؛ ليتداووا بهوائك العليل و… أين كل هذا وأنت لن تملك شفاءً لألمي؟!
جئتك أحمل قلبي على كفي قربانًا، وألقي به غواصًا في خضمك؛ علّ ملحك اللازع يكويه، فيتذوق طعم النسيان.
سَهَمَها بنظرة ثائرة وانتفض قائلًا:
أي نسيان هذا الذي تقصدينه؟!
صفعت غضبه بنبرة مخنوقة وقالت:
النسيان الذي أقصده (خطأ العالم في حق المحبة وقدرها)