الليل في أرض الإسراء الآن قد خرج عن النص وقامت قيامته، بعدما تجرد من عباءته المرصعة بالسكون، ولم يتبق له من رصيده الفقير من الراحة إلا نظرة تَرَقب ولهفة تَعَجُّل تَصَعّد إلى السماء من زفرات أم مكلومة تودع عائلتها بيقين:
"ضلكوا تعالوا لي في المنام، والله بشتاق لكم والله،
وهبتكم كلكم لربي، يا روحي يا مالك، الله حايفرح بيكم يا تيتة، الحمد لله.. الحمد لله..."
"الحمدلله الذي جعل من الأحلام متسع لوصلٍ تلاشى بين أحضان الفقد، وملتقى لأمنية زاغت بين سراب الحاضر، ولقاء لم يحتمله صدر الواقع بل ضاق به ذرعا؛ فاحتوته أجنحة الأحلام بأمر ربها على بساط من الوصل والرحمة"
وكأن الليل في أرض العزة يستمد ثباته وطمأنينته، ويرشف رحيق اليقين من ثبات الأمهات وجلد أطفال الصبر،
وليل الخانعين كفيف البصيرة يبحث عن كفن يواري في بياضه سوءة زلتهم!
عندما رشف صلاح الدين الأيوبي وجنوده رحيق النصر، وارتقى عرش العزة الموشّى بالرحمة؛ أتاه "بالبان بن بازران" جاثيًا ذليلًا يتوسل إليه ويتشفع إليه بكل ما أمكنه فلم يجبه إلى الأمان لهم، حيث قال لهم:
لا أفتحها إلا عنوة كما افتتحتموها عنوة، ولا أترك بها أحدًا منكم إلا قتلته كما قتلتم أنتم من كان بها من المسلمين.
فقالوا:
إن لم تعطنا الأمان رجعنا فقتلنا كل أسير بأيدينا ـ وكانوا قريبا من أربعة آلاف ـ وقلنا زرارينا وأولادنا ونساءنا، وخربنا الدور والأماكن الحسنة، وأحرقنا المتاع، وأتلفنا ما بأيدينا من الأموال، وهدمنا قبة الصخرة، وحرقنا ما نقدر عليه، ولا نبقى ممكنا في إتلاف ما نقدر عليه، وبعد ذلك نخرج فنقاتل قتال الموت، ولا خير في حياتنا بعد ذلك، فلا يقتل واحدًا منا حتى يقتل أعداد منكم، فماذا ترتجي بعد هذا من الخير؟
فلما سمع السلطان الرحيم ذلك أجاب إلى الصلح وأناب، وفرض فدية زهيدة، عن الرجل عشرة دنانير، وعن المرأة خمسة دنانير، وعن الأطفال دينارين، ومن عجز عن ذلك كان أسيرًا للمسلمين، وأن تكون الغلات والأسلحة والدور للمسلمين، وأنهم يتحولون منها إلى مأمنهم، وهي مدينة صور، فكتب الصلح بذلك "
وهنا حق لكل مسلم أن يفتخر بانتمائه للإسلام، ويشكر لله فضله أن منّ عليه به، وجعله من المسلمين.
وكانت وصية أبي بكر الصديق لجنوده قبل فتح بلاد الشام
" يا أيها الناس، قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عنى: لا تخونوا ولا تغلوا، ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمآكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع؛ فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له، وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام، فإن أكلتم منها شيئاً بعد شئ فاذكروا اسم الله عليها. وتلقون أقواماً قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب، فاخفقوهم بالسيف خفقاً. اندفعوا باسم الله، أفناكم الله بالطعن والطاعون"
الحمدلله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة