في ليلة قاسية من ليالي كانون الحالكة، قمرها مقبور، استهلت كتل الغيوم رحلتها مع المطر الذي بدا يتقاطر كالنثيث، بعدما ضرب جدران قلبي بسياطه، فانتفضت هلعًا أتفقدكِ!
اصطحبني القلق إلى مقعدنا الأثير فرافقته مستسلمًا حتى أجلسني بجواركِ، أسندت رأسي إليه قليلًا، لأنفض على عاتقه بعضًا من آلامي التي تهاجمني آناء الليل وأطراف النهار، وتتلذذ بحرماني من الراحة!
الليلُ كئيبٌ رتيب ينفث برودته فيني، ولا يدع برهة تمر من عمري إلا وهو يغزل خيطه الأسود تحت عيوني،
تلفني حنايا الوحدة، وتحتويني أحضان السكون، وتؤنسني بقايا دفءٍ قد تناثر من صوتك؛ ليمر من صدوعي كالحلم المستحيل الذي يستجديه النائم ويرجوه قبل أن ينام؛ ليهدهد جسده وأفكاره، فينعم بجنة اللقاء الذي يطوي لوعة المسافات في أزمنة الفقد وأحزان الغياب.
وفتاتٍ من همسٍ بليغ قد كبر بيننا، وصنع لفلسفته معينًا صافيًا وخالدًا داخل قلوبنا؛ ينهل منه قلبي الظمآن للونس والمأوى؛ فيعيد إليه أمانه المفقود، وتستروح لضمته عيوني المجهدة؛ فتقر وتسعد بعدما يمنحها ذكريات سعيدة تجُبُّ مرارة العمر الهارب بآلامه وهزائمه، فيثلج عنده صدري، وتختبئ أحزاني في صدر الرماد حتى تبرد، وتصغر، وتهون، وكأنها لم تكن!
يا امرأة تلاشت فيني، فسكنتُ في حناياها دون غروب، كالنوارس التي تمنح الأمل للقانطين، في غيابكِ حاصرني وجودكِ بي حد الجنون، واستوطن قلبي قبر الحزن، وتبخرت ألوان حياتي الزاهية، وتوارت سعادتي خلف قضبان الفراق، والآن دعيني أخبرك وأثرثر إلى قلبك بأفاعيل الزمن فيني، فقد اعتراني الخرس من شدة الصمت!
أنجزت الكثير من الأمنيات التي حلمنا بها سويًا، أبحرت في أغوار اللغة، ونهل قلبي وعقلي من زلالها الصافي البديع، سافرت في عجائب التاريخ، وملأت روحي بغرائبه، نثرت روحي آلاف المرات على الورق، وأنفقت عمري لأجل أمانة القلم، وجاهدت برفقتك كل كبوات الحياة، ولكن خبريني عنكِ؟
أجيبيني؟
بعد عناقٍ طال بعينيه وقلبه، أفاقه من هذيانه صوت الرعد الذي دمدم فشق صدره مثل نصل الخنجر بكل قسوة، ليرى أنه كان يعانق السراب، فذاب مشهد اللقاء كله أمامه، وترك له الذهول والفقد ليستوطنا ملامحه دون رحيل.
#زينات_مطاوع