أتدري شيئًا عن فزع الفرح اليتيم وميتة الحزن السوي؟!
في معترك الحياة، ينثر المرء بذور أحلامه، ويمنحها طينة عمره الخصيب، فتجري به في موجٍ من الكد والشغف؛ لتتوج مسعاه بالنجاح والفوز العظيم، حتى إذا أينعت وترعرعت وحان آوان قطاف الروح لثمار السعي وحصاد الفرج، حمل المرء فرحته على وجهه، ونهض يسكبها لهفة ونورًا في قلوب أحبته؛ متلهفًا لضمة حانية وقلبٍ سليمٍ يسع فرحته، ويملك بداخله مساحة رحبة من الوفاء تحتضن فضل الله عليه، فإن لم يحسنوا استضافة فرحته يظل متلفتًا وإن باركه الجميع، فيولد الفرح في قلبه غريبًا يتيمًا، وذلك شيء من فزع الفرح اليتيم.
فما ضر المرء إن سارع لاحتضان فرحة صاحبه وبارك فضل الله عليه؟!
بعد توبة الله -عز وجل- على سيدنا كعب ـ رضي الله عنه ـ قال واصفا مشهد دخوله المسجد:
"حتَّى دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا رَسولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إلَيَّ طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حتَّى صَافَحَنِي وهَنَّانِي، واللَّهِ ما قَامَ إلَيَّ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ، ولَا أنْسَاهَا لِطَلْحَةَ".
يقولون: "مواقف الجبر لا تنسى"
وأقول: "مواقف الحِس في منازل القلب لا تمس إلا من وُهب قلبًا مسّه الحب وجرى الخير بداخله مجرى الدم، فبُعِث من بعد تيهٍ وموت، ومنذها وأنا تنزف من روحي قطرات الدعاء محمولة على منابر من نور المحبة لا تخطئها خفقات القلب وإن اعترضها تآمر المسافة".
أما الحزن السويّ..
فيولد ساجدًا على صدر اليقين، عزيزًا في قلب حاضنه، تهدهده الفطرة وتسايره البصيرة، إذا استجارته الفضفضة لم يُجِرها، وإذا صار قاب قوسين أو أدنى من الانهيار؛ تولى أمر تسكينه وإيوائه الصادقون حتى يشيِّعه الرضا إلى مثواه الأخير.
ومن المواقف التي سكنت ذاكرة الحزن السويّ:
- دخلت امرأة من الأنصار على عائشة في حادثة الإفك، وبكَت معها كثيرًا دون أن تنطق كلمة، قالت عائشة: لا أنساها لها.
وأنت رائع..
في تلك اللحظات التي حسمت فيها أمر حزنك، وصممت أن تُسرّه في قلبك، ولم تبدِه لأحد، وهرولت لعناق فرحة صاحبك رغم كل ما يعتمل داخلك من ألم لتدخل عليه السرور.
أنت رائع..
حين شمّ قلبك رائحة الألم تخنق قلب صاحبك، فهرعت لتدثر رجفته، وتطبطب على قلب وجعه في سجدات الليل ورجاءات الأسحار.