أراها تتعبد في محراب النفس البشرية، حين نخلع عنها رداء الملائكية، والمثالية المفرطة التي تُكسبنا مزية الطغيان والقسوة على ذواتنا أولًا قبل الغير!
الإنسانية تنبت في أصل النفس، حين نتقبلها كما هي، نرضى ببشريتها وعنها، فنقبل الخطأ ونغفره عن حب كما نحضن الفضل ونُرْبيه عن امتنان، حين نعقد مع آدميتنا اتفاقية سلام من كل أذى، فلا إفراط فنطغى، ولا تفريط فنهلك، وفي كلا الأمرين الضياع المؤكد؛ فلنملك زمام أمرنا.
الإنسانية ليست في شعور ننفقه للغير، أو ندفع به عنهم الأذى، أو نرفع به عنهم ظلم طالهم، أو مشاركتهم فيما قضت به الأقدار ... وإن كان هذا جزء من كل، والكل يكمن في القبول الكامل للغير كما خلقه الله، بفطرته المجبول عليها، وبدايتها ومنتهاها في..
"أنا معك؛ لأنك مني وأنا منك".
أراها تسجد في عين نفس، بلغت من الوفاء عتيا، تطوق جيدها عناقيد المحن، وتطوف حول ثباتها البلايا، وتطحنها رحى الحياة، وتذروها فواجع الأقدار، والنجاة تلوح لها من آن لآخر لكن تحمل في طياتها ندبة وغصة قد تخلفهم وراءها؛ فتؤثر درب الجهاد على السلامة، وتعيش على إنسانيتها قابضة تنتظر القيامة!
وأنت رائع، وإنسان حقيقي حين عشت الرزق الطيب لقلوب الحيارى المكتظة بالندوب؛ فتقووا بمعيتك على كبد ومشقة الحياة..
أنت إنسان حقيقي حين عشت تنثر السلام حبًا، وتغدق اللطف على الآخرين نبلًا وكرمًا؛ لتدخل عليهم السعادة، وتأخذ بعثرتهم للنهوض رغم تلك المعارك الضارية التي تقتات على قلبك.
أنت إنسان حقيقي بقدر هذا اليقين الذي يسكنك، والإيمان الذي يثبتك، والفرحة التي تغمرك حين تعانق بها أحلام الآخرين ذات إنجاز.